
تُعدّ الصحافة ركيزة أساسية في بناء المجتمعات الديمقراطية، إذ تشكل سلطة رقابية مستقلة تراقب أداء الحكومات وتدافع عن قضايا الناس وتُعلي من شأن الحقيقة. غير أن هذه المهنة النبيلة، التي خاض من أجلها الشرفاء معارك الكلمة في وجه القمع والتضليل، باتت اليوم عرضة للاغتصاب والتشويه من قِبل مدّعين لا علاقة لهم لا بأخلاقيات المهنة ولا بمسؤولياتها.
في السنوات الأخيرة، أصبح المجال الصحفي مشرعًا أمام كل من هبّ ودبّ، وظهر من يدّعون الإنتماء إليه دون أي تأهيل أو التزام مهني. بعض هؤلاء يحملون سوابق عدلية، وآخرون يستخدمون الصحافة وسيلة للابتزاز والتحصيل أو لنيل حظوة لدى أصحاب النفوذ، متناسين أن الصحفي ليس تاجراً ولا سمسارا؛ يبحث عن صفقة، بل هو ضمير حيّ يحمل رسالة سامية.
ما يجري اليوم محليا ووطنيا هو تشويه متعمد لصورة الصحفي" الحقيقي "، الذي يواكب الأحداث يتعب في الميدان، ويبحث عن الحقيقة، ويقف مع المظلومين والمطحونين، ويتعرض أحيانًا للمضايقات والتهديدات
وأحيانا في بلد كبلدنا " الإعتقال" من أجل إعلاء كلمة الحق.
فحين يصبح الصوت الأعلى للدعاة وأشباه الصحافة أولئك الذين يبيعون مواقفهم لمن يدفع أكثر، تُغتال المهنة من الداخل، وتفقد الصحافة مصداقيتها ومكانتها في نظر الرأي العام.
إن الدفاع عن الصحافة لا يكون فقط برفع الشعارات، بل يتطلب تطهير المهنة من الدخلاء، والأدعياء واوزاغ الإعلام وذلك من خلال وضع ضوابط صارمة لمنح صفة "صحفي"،لمن يستحقها وتفعيل الهيئات الرقابية التي تضمن الالتزام بمواثيق الشرف الصحفي، حمايةً لما تبقّى من نقاء المهنة، وصونًا للديمقراطية التي لا تقوم إلا على إعلام حر ونزيه .