ميناء الصيد التقليدي الفسادالصامت في قلب نواذيبو..

ميناء خليج الراحة... الفساد الصامت في قلب نواذيبو

في قلب العاصمة الاقتصادية لموريتانيا، يقف ميناء خليج الراحة كأحد الشرايين الحيوية للقطاع البحري، ومصدر رئيسي لعائدات الدولة ومصدر رزق لآلاف العمال. غير أن صورة الواجهة التجارية المزدحمة تُخفي وراءها واقعًا صادمًا من الفوضى الإدارية والفساد المتجذر، تهدد بانهيار هذا المرفق الاستراتيجي.

#إدارة_مغلقة| بحسب شهادات متقاطعة حصل عليها فريق التحقيق من داخل المؤسسة، تحوّل التسيير الإداري للميناء إلى دائرة احتكار ضيقة يتقاسمها شخصان أساسيان: المدير المالي ومديرة المصادر البشرية، في تغييب واضح لبقية الإدارات الفنية. هذا التركّز للسلطة عطّل الأداء المؤسسي وأدخل الميناء في حالة شلل تنظيمي انعكست على المردودية والإنتاجية.

عمال كثر كشفوا أن هذه الثنائية تتحكم في "عمليات اكتتاب خارج القانون"، حيث تم توظيف عشرات الأشخاص مباشرة بعقود دائمة دون إعلان أو منافسة، في خرق صريح لتوجيهات الوزير الأول حول الشفافية والانضباط الإداري.

#عقارات_الميناء| التحقيقات تكشف أن التجاوزات لم تتوقف عند توظيف المقربين، بل امتدت إلى سوء استغلال العقارات التابعة للميناء،. مدير الاستغلال، وفق مصادر متعددة، يحتكر قرارات توزيع وتأجير الأراضي داخل الميناء بأسعار رمزية لا تعكس قيمتها الحقيقية.  
أحد الأمثلة الصارخة: قطعة أرض تؤجرها إدارة الميناء لأحد رجال الأعمال بمبلغ 2000 أوقية جديدة شهريًا، ليعيد تأجيرها بسعر 30.000 أوقية. هذا الفارق الهائل يعكس نزيفًا ماليًا ممنهجًا يُحرم منه المال العام، ويحوّل الميناء إلى بيئة خصبة للمضاربات والعقود المشبوهة.

كما تشير المعطيات إلى أن بعض الأزقة والممرات الحيوية مُنحت لنافذين دون وجه حق، مما أدى إلى انسداد طرق الإمداد وصعوبة حركة الشاحنات وفرق الإنقاذ، وحوّل أروقة الميناء إلى متاهة من الأكشاك والعقارات الخاصة المشيدة بدون تخطيط أو إشراف فني.

#الانحراف_الإداري| تؤكد عدة مصادر داخل المؤسسة أن المدير الفني الحالي  يفتقر للخبرة، ويُستخدم كواجهة لتغطية صفقات محددة يستفيد منها المدير المالي ومديرة الموارد البشرية. هذا التسيير "الافتراضي" جعل المؤسسة تفقد ثقة شركائها الدوليين، وأضعف قدرتها على إدارة مرافقها الحيوية بما يتناسب مع حجمها الوطني والاقتصادي.

#غياب_المحاسبة| الميناء خضع في فترات سابقة لتفتيش رسمي من الجهات الرقابية، التي وثّقت بالفعل خروقات مالية وإدارية خطيرة، لكن غياب الإجراءات العقابية ساهم في ترسيخ الفساد بدل معالجته. وتؤكد مؤشرات عديدة أن الخلل في بنيته لم يعد يتعلق بالأشخاص فقط، بل بالنظام المؤسسي برمّته.

#دعوة_للتحرك| الاتحادات المهنية العاملة في قطاع الصيد عبّرت عن قلقها العميق من استمرار هذا الوضع، محذّرة من انهيار الركيزة الاقتصادية الأهم في نواذيبو إذا لم تتدخل السلطات العليا لضبط الفوضى.  
وتطالب هذه الهيئات بفتح تحقيق عاجل وشفاف بمشاركة هيئات الرقابة والنيابة العامة، وبأن يُسند تسيير الميناء إلى شخصية وطنية مهنية ونزيهة، ذات كفاءة مثبتة في إدارة الموانئ وملمة بخصوصيات المنطقة.

#توصيات| فيما يلي فقرة توصيات عملية موجهة للسلطات والجهات الرقابية، في ختام التحقيق، تستند إلى ممارسات حديثة واستراتيجيات إصلاح قطاع الموانئ البحري في موريتانيا ودولياً:

1-فتح تحقيق مستقل وشفاف: ينبغي للسلطات العليا تكليف لجنة قضائية أو هيئة الرقابة الوطنية بإجراء تحقيق ميداني شامل حول كافة الخروقات المالية والإدارية المرتبطة بإدارة ميناء خليج الراحة، مع نشر النتائج للرأي العام وضمان محاسبة كل المتورطين في مظاهر الفساد والانحراف.

2- إخضاع التعيينات لمعايير الكفاءة الوطنية: ضرورة أن يخضع تعيين مدير الميناء الجديد لمسابقة معلنة، تستند إلى معيارَين أساسيين؛ النزاهة المهنية والخبرة في إدارة الموانئ البحرية، مع تفضيل الكفاءات من أبناء نواذيبو لمعرفتهم بسياق القطاع وخباياه.

3- تعزيز الرقابة الداخلية والخارجية: تفعيل أجهزة الرقابة الداخلية وتحديث آليات الإشراف الدوري على كافة العقود والصفقات العقارية بالميناء، مع سن سياسات دورية لنشر تقارير المراجعة المالية والإدارية لضمان الشفافية والاستجابة الفورية لأي مخالف

4- اعتماد الرقمنة الإدارية: الإسراع في تطبيق إجراءات الرقمنة وتجميع قواعد البيانات المتعلقة بالعقود، الأجور، التوظيفات، وحركة الأراضي والمرافق، تماشياً مع تجربة النافذة البحرية الموحدة التي أدخلتها موريتانيا مؤخراً، لتعزيز الكفاءة، الشفافية، وتبادل المعلومات بين جميع الأطر.

5- إدماج التشاور مع اتحادات العمال والمهنيين:
إشراك الاتحادات المهنية والعمال في رسم سياسات التسيير وإصلاحات الميناء، والاستفادة من خبراتهم في وضع خارطة طريق مشتركة لضمان استدامة القطاع وحماية حقوق العاملين.

6- إعادة النظر في سياسات تأجير واستغلال العقارات: مراجعة كافة عقود التأجير الحالية وتوحيد إجراءات منح الأراضي والمرافق، مع فرض معايير عادلة للأسعار وحرص على حماية المال العام وتجنب أي مضاربات أو احتكارات فردية.
هذه الخطوات تمثل حجر الزاوية لأي إصلاح جاد، وتفتح الباب أمام استعادة ثقة المستثمرين والعاملين في قطاع الصيد، وتضع ميناء خليج الراحة على طريق الشفافية والاحترافية.