المؤرخ المختار ولد حامدون في مقابلة تكشف سر اهتمامه بالتاريخ

يتحدث الأديب والمؤرخ الموريتاني المختار ولد حامدون في هذه المقابلة في برنامج "ضيف الأسبوع" بإذاعة موريتانيا، عن مساره الدراسي، وعن أبرز الكتب التي قام بتأليفها، كما يتحدث فيها عن لقاء جمعه بعدد من اللبنانيين والسوريين الشيعة وناقش معهم الخلاف بين أهل السنة والشيعة، كما تطرق أيضا لبعض الكتب التي قام بتأليفها.

 

ولد المختار ولد حامدون سنة1315 هجرية  وليس 1904م  كما في المراجع الفرنسية،  حفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره.

 

 ويقول المختار ولد حامدون نفسه، إنه حفظ القرآن على شيخ من قبيلة "مدلش" ثم راجعه على خاله عبد الرحمن ابن بِيدَ وأخذ رسمه عن  خاله الآخر  حامدون ابن بِيدَ في التاسعة وأخذ تجويد القرآن على أحد عمومته هو الشيخ عبد الرحمن ابن احمد ابن محنض باب وذلك في العاشرة من عمره و قرأ علم العروض على أحد تلامذة والده وهو الأستاذ محمد الأمين سيسي السنغالي ثم بدأ دروس النحو على عمه، عَلَمَن  ابن محمذن ابن  محنض باب.

 

وهذا نص المقابلة:

 

  الأستاذ المختار ماهي المنافع التي دفعتكم إلى لإهتمام بالتاريخ الموريتاني؟

 

كنت في عام 1935م أعمل تاجرا في كولخ  فجئت ذات عشية إلى تاجر سوري فاشتريت منه كيسا من الصابون فدخل علينا شامي يسمى إيميل  فقال لي  التاجر هذا شاعر العرب  فقلت له وهل يوجد شاعر العرب إلا في البيضان،  فقال لي إيميل لعلك شاعر فقلت نعم فقال أنشدني فأنشدته أبياتا فقال عندي أحسن من هذا وأنشدني أبياتا  فقلت له هذا أحسن من أبياتك, ولكن من أين لي أنها من إنشائك  فلنصف هذا الكيس فأينا أسرع بديهة  وأحسن شعرا فهو شاعر العرب ، فقال لي:  ماذا يقول واصف كيس الصايون فقلت يعرفه الشاعر فقال لا يعرفه الشاعر ولا الناثر،  فقلت أنا  أعرفه،  قال ماذا تقول،  قلت أقول إنه  في صندوق من الخشب مكعب معصوب وفيه انكسار يبدو منه صابون رديء غال عندك ولا تسلفه لعملائك،   فقال لي أنت ظريف  وأريد منك لقاءً الليلة  في دار الحاج علي بيضون  السوري فجئناه ونحن خمسة نفر فوجدنا معه جماعة من أدباء العرب السوريين واللبنانيين  فسمرنا معهم وكان من حديثنا أنهم سألونا عن مذهبنا في الدين فقلنا مالكيون أشعريون جُنيديون فقالوا لما لم تتمذهبوا بمذهب جعفر الصادق فإنه ابن الرسول وهو أعلم بسنته ، فقلت إنكم سميتمونا بأهل السنة  وتسميتم بالشيعة وهو لقب عنصري، فقالوا نحن لانخالف أهل السنة  إلا في مسألتين، نفضل عليا على أبي بكر ونلعن معاوية، فقلنا أما تفضيل علي فلا نناقشكم فيه لأن علم ذالك عند الله ولا إجماع فيها  إلا عند أهل السنة وأما لعن معاوية فما  حُجًتكم فيه ، فقالوا إن الرسول قال لعلي اللهم والي من والاه وعادي من عاداه ومعاوية عاداه  فإذا هو عدو لله  وقال الرسول أيضا عَمًار تقتله الفئة الباغية ومعاوية هو قاتله فهو باغ ، فقلت لهم إن عليا خطيب فصيح فإذا كان سيخاصم معاوية يوم القيامة فهو  ألحن بحجته وإن كان لا يريد خصومته  فلا نفتات عليه، فقالوا هذا جواب أديب ومسكت.

ثم بعد عدة محاضرات مع هؤلاء العرب لقيني الأديب زكي بيضون فقال لي "أكتب عن البيضان لتُعرف العالم العربي بجزئه هذا الذي ليس له علم به"   فبدأت من ذالك الحين على عجري وبجري  ألتقط من أفواه المسنين ومن بطون الأوراق ما استطعت وكان تحصيلي قليل لإشتغالي بمهنة البيت والكد للمعاش مع قلة ذات اليد وكثرة المؤونة فتوظفت في التعليم خمس سنين وفي المعهد العلمي لإفريقيا السوداء سبع سنين ثم في المعهد العلمي بأبي تلميت سنتين ثم فرغني الرئيس المختار ابن داداه للبحث التاريخي ألا حين بلغت من الكبر عتيا وكانت تتخلل أبحاثي أشياء تعرقلها أهمها بحثي عن المخطوطات الموجودة في موريتانيا  التي استغرقت وقتا طويلا

ومنها مقابلة الزوار الأجانب الباحثين  الذين شغلوا وقتا  هم أيضا والذين زودتهم بالكثير من معلوماتي  كما زودت الأديب محمد يوسف مُقلي بجمهور ماكتبه في كتابه شعراء موريتانيا هذا إلى عرقلة المرض المزمن الذي شغل وقتا في المستشفيات وبفضل فخامة الرئيس استطعت أخيرا مقاومة المرض بتسهيل الإستجمام في كناري وفي الرباط  وبالإعانات المادية المشجعة.

 

السيد الأستاذ أول ما يتبادر إلى ذهن من يريد استجوابكم  هو طرح سؤال حول التاريخ وبالذات حول تأليفكم في التاريخ الموريتاني فماذا عن هذا الموضوع؟

 

كتبت هذا الكتاب وغالبا ما كتبت بالأسلوب القديم إلا في فقرات من هذا الكتاب راجيا أن يقوم باحثوا الجيل الحاضر بإعادة صياغة المادة الخام التي قدمتها في هذا الكتاب  وتحريت  فيما أخذته عن الحكايات الشفهية التي تختلف رواياتها غالبا ما رأيته أقرب إلى الصحة  بعد المقارنة تاركا للباحثين رأيهم ورواياتهم ورائدي في كل ذالك صيانة تاريخ هذه  البلاد " إن أريد إلا الإصلاح ماستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"..

الأستاذ الحديث عن هذا الكتاب الذي ذكرتم يجرنا جرا لسؤالكم عن مؤلفاتكم ؟

في الحقيقة ليس عندي شيء مهم ومسجل ولكن لمساعدتكم أذكر لكم

أولا:معجما مدرسيا  للهجة الصنهاجية التي هي من البربرية

ثانيا:مؤلف في علوم البلاغة يستشهد فيه بشعر الشناقطة وأدبهم

ثالثا:أنظام متعددة في المنطق منها احمرار لنظم الأخضري المسمى با "السُلُم المرونق في المنطق"

واجمرار لنظم ابن طيب في المنطق أيضا مع تعليق عليه ثم جمع قصائد الشعر العربي التي وردت أبيات منها شواهد في تعاليق نحوية مثل طرة محنض باب على  الخلاصة

ثم هذا الكتاب الموسًع الذي يشتمل على تاريخ الملثمين الذين في موريتانيا وهم لمتونة  وكدالة ومسوفة وعلى السودان المجاورين لهم ووصف بلادهم وعلى ملوك الملثمين في أول دخول الإسلام إلى هذه البلاد وعلى ذكر غانا وسير أهلها  وملوكها وعلى طرق الفاتحين والتجار إلى موريتانيا وعلى قيام دولة المرابطين ورؤسائهم وفتوحاتهم وحضارتهم وعلى تاريخ  القبائل المنحدرة من الأنصار أو من شتى بطون قريش من  فهريين وبكريين وهاشميين وحياتهم الدينية والثقافية وعلى تاريخ بني حسان من عرب المعقل وإماراتهم ورؤساءهم وحروبهم في موريتانيا

ويقع الجزء الجغرافي من هذا الكتاب في مجلد تذكر فيه الجغرافية العمرانية والإقتصادية والتاريخية والبشرية

وفي هذه الأخيرة تُذكر لائحة بجميع القبائل والمديريات التي تتبعها هذه القبائل بتفصيل وافر

هل اهتمامكم بالتاريخ مقصور على التاريخ الموريتاني كما رأينا أم هو اهتمام  تجاوز القطرية والإقليمية؟

في الحقيقة إنما أردت التاريخ الموريتاني لأن أوائلنا للأسف لم يهتموا به لأنهم لايعتبرون غير الحياة الدينية والأدبية ويرون الأنساب والتاريخ حشو.

 

الأستاذ ما هي أهم المصادر التي استعنتم بها في بحثكم التاريخي؟

 

اعتمدت من المصادر المخطوطة أو المطبوعة على زهاء سبع وخمسين مخطوطة منها مثلا شيم الزوايا لليدالي أوكتب والد الديماني وتواريخ ولاته والنعمة وغير ذالك

واعتمدت من الكتب المطبوعة على زهاء واحد وأربعين إلا إنها لم تزودنا إلا بالقليل من تاريخ هذه البلاد, هذا إلى ما أخذته من أفواه المسنين ومن الحكايات الشعبية  التي في الحقيقة هي أكثر وأهم مصادر هذا الكتاب وغيره من الكتب الحديثة

 

عرفنا منذ دقائق أنكم حفظتم القرآن وما يتعلق به من رسم وضبط وتجويد على أيدي والدكم وبعض من أعمامكم وأخوالكم وعلمنا كذالك أنكم  قرأتم أيضا مبادئ من العروض والفقه والتصوف ثم ماذا؟

 

ثم علمني والدي مبادئ السيرة والفقه قليلا و الإعراب عن عمي باب ابن محموذن ابن محنض باب  ثم عن عمي الآخر بارك االله ابن محمذن ابن محنض باب ثم أقرأني والدي التركة من العاصمية  والتصريف من  الألفية على عمي بارك الله وعلى خالي عبد الرحمن ابن بيدَ ثم قرأت التجويد على عبد الرحمن ابن احمد أحد أعمامي وفي الثالثة عشرة من عمري دخلت المدرسة الفرنسية مكرها لابطلا ثم جاءت الحرب العالمية الأولى  فأغلقت المدرسة وخرجت منها ,وهكذا كنت أحضر دروس والدي في مدرسته وأطالع الكتب

كنت مولعا بمطالعة الكتب  كتب التصوف الغزالي ثم كتب زروغ ، ثم قرأت ديوان المعري بشرحه وديوان الحماسة ، وطالعت كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني  ولما قرأت النحو كنت مولعا بجمع القصائد التي منها الشواهد فجمعت من ذالك ما شاء لله  لمطالعة خزانة الأدب البغدادي ثم كان الاقتصاد يفرض علي تقطع التعلم إلا أني في أوقات متقطعة قرأت  الأصول أولا على المختار ابن محمذن بارك ابن سليمان  ثم أتممتها على والدي ثم قرأت عليه المنطق وحضرت درسه للعاصمية ثانيا وحضرتها أيضا عند باب ابن محمودن ابن محنض باب واستفدت من مدرسة الشيخ يحظيه ابن عبد الودود وأخذت تحقيقات عن الشيخ محمد عالي ولد عبد الودودوالشيخ المختار ابن ابلول الحاجي  ثم خرجت إلى أهل محمد سالم المجلسيين حضرت دروسهم الفقهية والتوحيدية والسيرية

هكذا كنت أقرأ متقطعا ولكن كل ذالك أظن أنه لم يحصل عندي منه إلا الشعور فقط