ترامب.. الدرس الأمريكي/الولي ولد سيدي هيبه

مرة أخرى تثبت الولايات المتحدة حيوية ديمقراطيتها و مزاجية شعبها و حب رجال السياسة والدولة و أفراد الساكنة فيها على مر الزمن للقوة اللفظية و الديناميكية البراغماتية و اقتحام المجهول و رفض و تحدي الركود. و لم يحدث في كل تاريخها أن عدت انتخابات رئاسية من دون أن تثبت هذه الحقيقة كمعطى قائم و دائم في الواقع الأمريكي. فبعد الممثل الفاشل "رونالد ريغن" و "بيل اكلينتون" صاحب الفضائح الأخلاقية المجلجلة، و "بوش" الأب و "بوش" الابن المضطربين و "أوباما" ذو الأصول الإفريقية، ها هي الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دول العالم تنتخب رجل أعمال صاخب ليصبح الرئيس الخامس و الأربعين في تاريخها الديمقراطي المنساب.

 

و إذا كان الكثيرون من السذج يعتقدةن أن رجل الأعمال السابق و الملياردير الأمريكي يأتي من فراغ سياسي، فإن مسار حياته الباهر و الاستثنائي يكذب ذلك، فالرجل شخصية إعلامية تلفزيونية ومؤلف ورئيس منظمة ترامب العقارية و مؤسس ومديرعدة مشاريع عملاقة وشركات و منشآت كبيرة في بلده و لها فروع في جميع أنحاء العالم. كما أن نمط حياته ونشر علامته التجارية وطريقته الصريحة بالتعامل مع السياسة و الحديث ساعدت على جعله من المشاهير في الولايات المتحدة و خارجها. كما أنه من المعلوم كذلك  أن الرجل قدم لفترة برنامح الواقع على قناة NBC إن بي سي The Apprentice الذي يعني" المبتدئ" بثته في الشرق الأوسط قناة "أم بي سي MBC4 ".

و كان دونالد ترامب قد انضم عند تخرجه من جامعة بنسلفينيا عام 1968 إلى شركة والده الذي منحه التحكم بها فقام بتغيير اسمها إلى منظمة ترامب و تابع بناء برجها في مدينة نييويورك و رفع بروجا أخرى في عديد المدن. و في وقت لاحق انتقل إلى التوسع في صناعة الطيران فاشترى شركة ايسترن.

وفي عام 2001 أكمل بناء برج ترامب السكني الدولي الذي يتألف من 72 طابقا ويقع على الجانب الآخر المقابل لمقر الأمم المتحدة.  و يملك ترامب مساحات تجارية في "ترامب انترناشيونال أوتيل آند تاور"، الذي يتألف من 44 طابقا للاستعمالات المتعددة،  و برج كولومبس و ملايين الامتار المربعة في منهاتن، و قد أصبح من المشاهير البارزين الذين تتعرض لهم وسائل الاعلام بالتغطية.

و بعيدا عن مواقف السياسيين عبر العالم و غيرهم من  شخصية دونالد ترامب و مضمون برنامجه الانتخابي و صخبه و كل الذي أبان عنه من تعلقه الشديد بالعظمة الأمريكية و بما أسماه ضرورة "إعادة الإعتبار" لها، و ما سجل و أفصح عنه من مواقف حادة  تجاه:

- المرأة التي لا يحبذ الأمريكيون قيادتها على غرار الغرب و إن لا يعترف،

- و العرب الذين أتاح لهم مراجعة واقعهم الأليم و بناء مواقف إيجابية و قوية،

- و المسلمين الذن كشف لهم عن اختلافات مذاهبهم العميقة و عمق التباين بين السنة الشيعة،

- و المهاجرين الذين يزاحمون السكان الأصليين في العمل و تقاسم الخيرات،

- و الصين التي باتت ندا شديد المنافسة و تنينا نشيطا و قوة عظمى،

- وحلف الشمال الأطلسي الذي ما وال عبئا على الولايات المتحدة الامريكية و إن لا تعترف،

ـ و القضية الفلسطينية التي لم تجد في أي من الرؤساء الأمريكيين و آخرهم أوباما سندا و لا مدافعا و لا حاميا من الغطرسة الإسرائيلية،

 و غير ذلك كثير من القضايا و الملفات كالمواقف العنيدة من الحرب في سوريا و اليمن و ليبيا، فإن اترامب أبرز لفائدة حملته و باتجاه الناخبين الأمريكيين أوجها أخرى غير مرئية للولايات المتحدة بفعل إهمالها و توجهها الثابت إلى السياسة الخارجية و ما تتضمنه من إثبات القوة و القدرة على الهيمنة و حب الظهور على المسرح الدولي. و هي الأوجه الحقيقية التي باتت محجوبة عن الأنظار و منها أساسا أن:

·        نسبة غالبية البيض في ولايات الوسط و الساحل الشمالي التي تزيد على السبعين بالمائة من السكان تعتبر أن معظمها بات يعاني من التهميش "الصامت" من طرف السياسة العامة باسم الديمقراطية و حقوق الإنسان و حماية المهاجرين القادمين من أنحاء العالم و دول أمريكا اللاتينية و من المكسيك في الجوار المباشر،

·        مظاهر التأخر البادية في تضاريس العديد من الولايات  نتيجة غياب البنى التحية الملائمة من طرق و جسور و سكك حديد و محطات توليد الكهرباء و ضعف التصنيع و غياب السياسات الاقتصادية الناجعة فيها حتى بات البعض منها أشبه أو أدنى مستوى و أسوأ حالا من وضع بعض الدول المتخلفة،

·        المجتمع الأمريكي ذكوري بامتياز حيث أن الرجل الذي أهان المرأة حصل في تناقض عجيب على نسبة تفوق الأربعين بالمائة من عموم أصوات الناخبات،

·        نسبة كبيرة من المواطنين الأمريكيين يعيشون حالة من الفقر المدقع من دون أمل إلى تحسن أوضاعهم فيما يجني الذين يديرون الشأن السياسي أموالا طائلة  رفعتهم إلى مصاف الأغنياء،الأمر الذي يعتبره الأمريكيون فسادا وعلامة بارزة للرشوة،

·        صراحته البذيئة و مواقفه المختلة كشفت نفاق الإدارة الأمريكية و حكومات الغرب السافر حول أهم القضايا و الملفات الدولية؛ الغرب الذي يصر البعض من المتغربين المنسلخين عن هويتهم وأمتهم على أنه نموذجا باهرا للشعور الإنساني الرفيع، و يضيف أن الهوى الأعمى يدفعهم إلى الافتراء على التاريخ الأممي كله، عندما يزعم أن التعامل الغربي مع الإنسان بصرف النظر عن دينه ولونه وعرقه،  هو تعامل غير مسبوق على امتداد التاريخ.

فمن لنا في هذه البلاد التي تفتقر إلى البناة الأفذاذ و المخططين  أصحاب الرؤى البعيدة والخطباء ذووا الطرح العميق والقادة السياسيين الرشداء، برجل جريئ و صريح يفضح الممارسات الارتكاسية و يتمتع  بصفة المؤسس الباني و القائد الكارزمي الذي يعطي مما يجني من عمله و حسن تدبيره  و لا يأخذ تحايلا أو اقتطاعا من بلده و لا يؤيد الفساد أو يستر على المفسدين؟

فهل نطمع في في ظهور هؤلاء ليوم قريب"