"سحقا لصحافة لا تميز غثها من سمينها... و تصطف على دورية تسيير صندوق دعم الصحافة عند كل عام يتجدد كأنه صيد سمين" تأكد من خلال الممارسات المخالفة لكل قواعد مهنة الصحافة الشريفة و تجاوز مثير لمضامين مسطرة أخلاقياتها العالية و بما لا يدع مجالا للشك أن أكثر من يميع حقلها و يضعف سمعتها و يسبب لها بالغ الحرج في أدائها و يقوض مسارها هم الصحفيون أنفسهم عندما تسند إليهم مهمة ضبط أمورها و تسيير أي دعم تحظى به أو عون يوجه إليها من أجل تحسين أدائها و تعضيد استقلاليتها.
صحفيون بالعنوان و الاسم لا بالأداء و القلم، و بالتملق لا بأدوات البذل و التألق، يعاقرون "خمرة" الوشاية و يسافحون ظل الحيف و النكاية من اجل دراهم قليلة "عابرة" يبيعون شرف مهنة "فاخرة" بينها في نبلها و بين الابتذال الذي يسببه الطمع ما بين نافخ الكير و بائع العطر كما قال رسول الله عليه الصلاة و السلام في الحديث الشريف الذي رواه البخاري) إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحامل المسك: إِما أن يُحْذِيَك وإِما أن تبتاع منه، وإِما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة(.
و لما أن الصندوق الدعم تم تسييره في أول و ثاني دورة له من قبل لجنة لا تضم صحفيين فإن هامش الحيف و التجاوزات كان على مستوى لم يثر كبير اشمئزاز و لا فاضح ضجة، فإن أكثر لجان تسيير الصندوق سوء و حيفا هي التي ضمت في تشكيلتها صحفيين خلال الدورتين الثالثة التي عاثت و خذلت و الأخيرة التي ما زالت "تحدث أخبارها" و يتسوق غانمين كبيرَ المبالغ أصحابُ الحظوة في دورتها من أفراد اللجنة و أصحاب لائحة مواقعهم الصديقة و تنظيماتهم المقربة و الذين أوصوا بهم خيرا من خارج اللعبة.
و أما الذي يمكن أن يشفع لهم جددا لم يتريثوا و ربما ينجيهم حتى من أية مساءلة أو محاسبة أن ما فعلوه هو الذي فعله بذات الجرأة و لذات الهدف من قبل أشباه لهم و قد "لحسوا عليه أرقطا" في حمى جاهلية العقلية العصية على الانزياح و عملا بقاعدتي "لا طاح ال ما سند اذراعو" و "اظلم في يومك قبل تُظلم في يوم غيرك" و أيا تكون فإن الأمر متاح لك سواء كنت في قمة الهرم المجتمعي (عربي أو زاوي) أو كنت في ذيله (صانع أو حرطاني أو آزناكي) فلكل فضاء و حيز و أعذار ينال بها مجتمعة نصيبه المادي من نظام عقلية الحيف الممنهج و يضمن "مودة" البقاء في الدائرة الشيطانية لا يخذِل و لا يَخذَل.
و كما هو الحال في المبتدئ فقد تم في المختمم هذه الأيام و على نفس النهج عملُ هذه الدورة ـ رغم التسجيل المؤسف أن غالبيتها كانت في جديد التشكيلة عناصر من الحقل الصحفي بكل لون طيفه ـ بأسوأ من السابق ليبتلع أفرادُها كل "التمر بماء البحر" و يقتحموا بجرأة في غير محلها مجاهل صحراء الطمع الكبرى زادهم فيها "ماء الوجه" ليُسجلَ مرة أخرى في حقل إعلامنا المترهل انضمامٌ آخر لنادي موالاة الضمائر حزبَ المال السهل و العمل لحساب الظهير الخفي من الباحثين عن الشهرة و النفوذ الذين دفعوهم إلى الأمام و أكسبوهم عضوية اللجنة و حموا ظهورهم ليطلقوا العنان لشهوة الاستفادة و الهروب من وجه الطوفان و لو كان ليُغرِق من بعدهم إخوة لهم وثقوا بهم فخذلوهم.
فمن ذا الذي يستطيع أن يبرر ما أقدمت عليه لجنة صندوق دعم الصحافة بتشكيلتها "الصحفية" الغالبة من تحامل و تواطئ على قيم الصحافة في حل تام من المهنية و بُعد عن تمثل قواعد الاستقامة و ضرب بالحائط أي تقيد بميثاق أخلاقيات المهنة و "إيثار إباء النفس" على "شَرَكِ الطمع" و مزالقه، من خلال اقتطاع مبالغ معتبرة لأفرادها بلا تردد ـ تحت عناوين مواقعها و صحفها و المنظمات الصحفية المنضوية تحت مظلاتها و الذين أُوصى بهم الظهيرُ الخَفي خيرا من الأدعياء و المقربين ـ من مال الخزينة العامة الذي اقتطعته الدولة لدعم صحافة تريد لها أن تنهض بمسؤولياتها و حتى تشاركها حربها على كل أوجهه الفساد المستشرية و منعها من تقويض المجهودات التي تبذل ضمن مخطط التنمية الرامي إلى النهوض من مدارك التخلف؟