لا مصلحة لأحد في توتير العلاقات الموريتانية المغربية/ محمد الأمين ولد الكتاب

في سياق دولي موتور وملابسات إقليمية مأزومة، تستغلها قوى التكفير والإرهاب من اجل خلق المزيد من بؤر التوتر والاحتراب في فضائي المغرب العربي والساحل الصحراوي، في هكذا سياق عمدت بعض الجهات المفتقرة إلى الحصافة والتبصر في المغرب الشقيق إلى توتير العلاقات الموريتانية المغربية و محاولة دق إسفين بين شعبيهما الشقيقين... وذلك من خلال تصريحات غير محسوبة العواقب، تضمنت تهجما غير مبرر على موريتانيا واتهامها بالتبعية والعمالة ومعاداة المغرب، بل أشارت إلى إمكانية توظيف التناقضات العرقية في المجتمع الموريتاني لخلق متاعب للبلاد . ناهيك عن التلميح إلى إمكانية المساس بالسلامة الترابية لموريتانيا!!

 

كان بالإمكان التغاضي عن هذه التصريحات وتجاهلها مثلما قد تم  على نحو متكرر تجاهل غيرها، بالنظر إلى ضعف مصداقية الجهات التي صدرت عنها وقلة ما تتوفر عليه من اعتبار لدى النخب الموريتانية التي لا تقيم وزنا للأقلام المأجورة.

ولكن ما فاقم الأمر وأثار غضب الموريتانيين جميعا بدون استثناء، هو إعلان زعيم احد الأحزاب المغربية الكبيرة أن موريتانيا جزء من المغرب قد تم التفريط فيه وإضاعته.

وكانت هذه النظرة التوسعية صادمة ومذهلة بالنسبة للموريتانيين،  إذ أنهم كانوا يعتبرون هذا النوع من التفكير قد مات مع هلاك الذين بلوروه في فترة تاريخييه قد خلت وتم تجازوها، أو ذلك ما يفترض.

على انه ليس من الغريب أن يوجد ضمن أحد الأحزاب المغربية أناس تتسم عقولهم بالتحجر وفكرهم بالتكلس، ولكن الشيء الغير مستساغ والغير مقبول هو أن لا يستهجن بل  ويستنكر ألو البقية من النخب المغربية مثل هذه التصريحات التي تنم عن عقلية توسعية استعمارية قد أكل الدهر عليها وشرب.

ولقد حز ذلك في قلوب كل الموريتانيين بمن فيهم الذين لا يكنون للمغرب إلا مشاعر الصداقة والمحبة والإخاء، ما قاد بعضهم إلى ردات فعل عنيفة أحيانا تمثلت في مقالات تراوحت بين العتب والغضب وبين الاستنكار والسخط.

وهذا شيء طبيعي، لان لكل فعل ردة فعل موازية له، بيد أن التلاسن والتخاصم ليسا أنجع وسيلة لفض ما  قد يحدث بين الإخوة من نزاع و تخطى ما  قد يبرز بينهم من خلاف.

فلموريتانيا والمغرب علاقات تاريخية وسوسيوثقافية  وطيدة لا يمكن تجاهلها ، ولهما مصالح اقتصادية وجيو استراتيجية قوية ومتشابكة  لايمكن لأي منها أن يفرط فيها دون أن يلحق الضرر بنفسه.

فلابد للموريتانيين أن يعوا أن المغرب لا يشكل فقط الجسر بين بلدهم وأوربا، ولكنه كذلك هو القوة الاقتصادية الإقليمية المصاقبة لهم والتي يزداد حجم التبادل التجاري معها باضطراد، ناهيك عن التواصل الاجتماعي والفكري والروحي التليد  بين البلدين. فالجامعات والمعاهد والمدارس العليا المغربية مفتوحة على مصراعيها في وجه الطلبة الموريتانيين في كل الاختصاصات، والمستشفيات والمصحات المغربية رهن إشارة المرضى الموريتانيين (القادرين على دفع تكاليف العلاج) والمنتجعات ودور السكن بالمملكة جاهزة لاستقبال السواح الموريتانيين الميسورين.

وتدل عشرات الرحلات الجوية في الأسبوع بين المغرب وموريتانيا على كثافة التواصل بين البلدين.

كما يدل عدد الشاحنات المغربية المحملة بالخصر والفواكه والسلع الأخرى على مدى الاندماج الاقتصادي بين موريتانيا والمغرب.

وبالمقابل لابد للإخوة المغاربة أن يدركوا أن الأوضاع التي كانت سائدة في البلدين قد تغيرت وان طبيعة العلاقات التي كانت قائمة  بيناهما قد اعتراها  تطور يلزم أخذه في الحسبان.

فموريتانيا اليوم دولة ذات سيادة بكل معاني الكلمة وتمتلك قرارها وتحدد سياستها وفق مصالحها الخاصة، وقد أصبح لها دور حييو استراتيجي ووزن سياسي وتأثير عسكري في الفضاء الساحلي الصحراوي، ما اكسبها ثقة واحترام الدول الغربية التي صارت تحرص على إقامة علاقات شراكة متعددة الأبعاد معها. وعلى الأخوة في المغرب أيضا أن يدركوا أن موريتانيا هي بوابة المغرب ومعبره الإجباري نحو إفريقيا السوداء.

وموريتانيا رغم ما يربطها من علاقات لغوية ووشائج ثقافية وسيكولوجية خاصة مع الشعب الصحراوي فقد حرصت على الحفاظ على علاقات طيبة  وودية مع المغرب حيث حرصت على تبنى موقف الحياد فى قضية الصحراء الغربية.

ولن يكون من الحكمة ولا من مصلحة المغرب ولا موريتانيا أن يعمد المغرب إلى استفزاز موريتانيا وحشرها في الزاوية وإجبارها بالنتيجة على اصطفاف تحرص على تجنبه ما وسعها ذلك.

موريتانيا دولة ذات سيادة لها من الوسائل والتنفذ والحرص على الندية مع جيرانها في المغرب العربي ما لم تعد ترضى معه اعتبارها الحلقة الضعيفة في بلدان المنطقة ، لأنها ببساطة لم تعد كذاك. وعلى الإخوة الجيران المغاربيين وغيرهم فهم ذلك والعمل بمقتضاه.

ولي اليقين أن الأزمة التي تحاول بعض الجهات المشبوهة خلقها بين موريتانيا والمغرب والتي لا مصلحة لأحد في تفاقمها، ستتلاشى وتصبح في خبر كان، سيتم ذلك إذا تغلب التعقل والتبصر وبعد النظر عند الساسة والنخب الموريتانية والمغربية، ذلك أن أمن البلدين ومصالح الشعبين ينبغي أن يتم وضعهما فوق كل اعتبار. فذلك هو عين الصواب، وما عداه مجازفة ومخاطرة وسب للمستقبل.

 

نواكشوط بتاريخ: 25 دجمبر 2016