كم هي محبوبة و معشوقة تلك المدينة الساحلية الهادئة الحالمة ، و كم هي مستباحة لكل متعطش للتآمر ، أنها جوهرة الشمال ، نواذيب العاصمة الاقتصادية للبلاد ، رغم كل ذلك تعيش واقعا من البؤس و ضيق ذات اليد و التردي في كل الأصعدة ، فالبطالة و الفقر و انهيار الاقتصادي البحري و العبث باستثمارات المواطنين ، و تردي التعليم و الصحة و انتشار الجريمة و القمامة ابرز سمات المدينة ، يقع ذلك في صمت كصمت القبور فهي رغم آفاتها ، ابتلاها الله ببلدية ميتة و مهجورة علي رأسها عمدة ضحي بسمعته يوما من اجل إرضاء مافيا الانتخابات ، التي سرعان ما أودعتهالسجن و أغلقت هواتفها في وجهه ، لتتركه يعيش معاناته و حيدا و يتجرع سم القفز علي إرادةالشعوب ، ثم خرج من السجن مثل صاحبي يوسف الذي تأكل الطير من رأسه ، ثم ابتلاها الله بنائب لا يفكر إلا في نفسه ، تحبب إلى المدينة يوم كساد العيادات في نواكشوط ، لم يسمع عن البؤس القاتل في المدية ، لم يعلم أن المستشفيات بلا أسرة بلا أدوية بلا أطباء ، لم يشاطر الساكنة معاناة ارتفاع الأسعار و انعدام التوظيف و تردي التعليم ، يتربع في صمت أزلي علي مقعد المدينة ، لا تبلغه أناة المحرومين و لا عطش المدينة و لا الظلام الدامس الذي يتوزع أحيائها الفقيرة ، لم تبلغه المظالم و الشكاوي لكنة كان سخيا في موافقاته لنهب ثروة المدينة ، مثله في الابتلاء شيخ المقاطعة و كلاهما لم يقل يوما كفي سخرية كفي نهبا كفي استهزاءا ، حقا لا يستحقون النيابة عن ساكنة المدينة الصابرة .
أما الوزيرة و المدير فهما في صمم ، لا يحفظون للساكنة إلًا و لا ذمة ، يخدمون غيرهم و يقتلون أبناء مدينتهم ، تنكروا لها ، قلبوا لها ظهر المجن ، آمنوا بأنفسهم و هجروا المدينة التى تسلقوها ليصبحوا وزراء و مديرين مستفيدين من المحاصصة ، و لو قدر للساكنة أن تتكلم لقالت لا يستحقون تمثيلي بل هم ممثلون فقط علي خشبة مسرح ضايع .
تبقي مدينة نواذيب تفقد صوتها في قبة البرلمان و تفقد حضورها في حكومات البلد المتعاقبة ، بسبب ان الأصوات المعبرة عنها لا تعبر إلا عن نفسها ، بهذا تمت مغالطة الرئيس و هكذا ابتعد أبناء الولاية عن مشاعر سكانها و لم يعد لهم إحساس بآلامها ، إلا و هم يغتصبون أصوات سكانها ، يزورون إرادتها ، يضحكون علي أبنائها و هم يتجرعون كاس البطالة و غلاء المعيشة و تدني الخدمات في المدينة ذات المنطقة الحرة .
متى تدرك الحكومة و المهتمين بالشأن العام أن مدينة نواذيب تحتظر ، تنهار متى تدركون أنهامدينة مصابة في أبنائها ، يتآمرون عليها ، ينهبون خيراتها ، يباركون سرقة ثروتها ، مستغلين ضعف السكان و قلة حيلتهم .
أما شباب المدينة فهم مثل أي ضحية قليل الحيلة ، مصابون بالرتابة و عدم المبادرة ، بلا توظيف بلا تعليم بلا تكوين كل ما يملكون ضحكة بريئة و جسد منهك يحملون عليه عبء الماضي و بؤس الحاضر و انحسار الأمل في المستقبل .
إن لعنة الناخب قد حلت بكل من شهد له التاريخ بالتقصير في حق المدينة الحالمة ، ستعرِي كل من اقتات علي دمائها و اقتنى بكل بؤس أصواتها ، و تنكر لها خانقا أصوات الآلاف من الساكنة الناخبة ، لم يدرك المنتخبون إنهم يمارسون مهامهم نيابة عن الشعب وأن المأمورية ليست وظيفة مدرة للدخل ، و أن قبة البرلمان ليست استعراضا للأزياء و أخر صيحات الحلاقة ، إنها النيابة عن الشعب ، و خيانتها خيانة لأمانة الشعب .
أليس حري بهؤلاء أن يتبرعوا بيوم من التشخيص و الدواء لصالح الساكنة المريضة ، أو ببناء مدرسة أو تجهيز أخري أو توزيع أدوات مدرسية أو علي الأقل حملة للتبرع بالدم ، و إذا انعدم كل ذلك سوف لن يبخلوا علي الساكنة بالابتسامة أو بيوم يُشرِعون فيه أبواب بيوتهم الموصدة في وجه الفقراء . بقلم جمال محمد الأمين jmlemin@yahoo.f