بين رجال الأعمال و رجال إهمال؟/الولي ولد سيدي هيبه

إن رجل الأعمال (Businessperson) أو (Business Man) أو سيدة الأعمال (businesswoman)، ويقال أيضا شخصية من عالم الأعمال هو لقب عام يطلق في العصر الحديث على كل شخص يعمل أو يدير مؤسسة ربحية أو مجموعة شركات سواء كانت تجارية أو صناعية أو زراعية، من شأنها أن تخول لصاحبها الاستفادة من الدخل الذي تولده و تترك أثرا إيجابيا بالغا في تنمية البلد و منعته و على رفاه المواطن و تكوينه و أدائه. و قد استحدث هذا اللفظ في اللغة الإنجليزية ك (Businessperson) للقضاء على مسألة التفرقة بين الجنسين، بدلاً من تعميم مصطلح (Business Man). و هو مرادف أحيانا لمصطلح رائد أعمال أو صاحب مشاريع، الذي يشير إلى مالك أو مدير مشروع يدرّ المال عن طريق الخوض بالمخاطرة والابتكار. كذلك الأمر بالنسبة لمصطلح مستثمر الذي يشتري ويبيع حصصاً كبيرة في شركات مدرجة بواسطة الشركة القابضة، حيث تستطيع بهذه التقنية التأثير على اتخاذ القرارات الإستراتيجية في الشركة المستهدفة.

و كانت البداية في موريتانيا مع هذا الصنف الحيوي من أسباب قيام البلدان على ساق مستقيم مع شتات من الرجال، أفرزتهم حقب خمسة بعيد استقلال الدولة المولودة من رحم البداوة و ضمورها و شظف العيش فيها على خلفية الفقر و الفوضى، ليتولوا تحت تدريب و إشراف شركات فرنسية عريقة "ٌPerissac, Lancombe" و غيرهما مهمة جمع المال و بناء الثروة من التجارة و المقاولة و تيسير الخدمات العامة في سياقات ضيقة و غياب تام للمهارة و الضوابط و التخطيط و تصور الاستراتيجيات و الاستشراف. 

حقب خمسة ولد خلالها من أصلابهم و غيرها "خلقا جديدا" "جيل" من المتعلمين دخلوا المعترك فلم يقدم أفراده مطلقا للمهنة الشريفة "مبتكرا" و ليبقي أداؤها يراوح المكان ـ مع فارق الزمن و الطموحات و القيم و الأخلاق - على رتابته و بعده عن أداء أية خدمة للبلد أو رفع من مستواه التنموي في ظل ما يجب الإسهام به من تشييد  العمران "الهيكلي" و "العملي" و بناء المصانع الإنتاجية و تأسيس الماركات الوطنية و تشغيل و تكوين العمالة المحلية لتنهض بالبلد إلى مصاف دول العالم الأخرى و تحقق له استقلالا ذاتيا من إنتاج و تحويل مقدراته الهائلة التي ما زالت تذهب كلها إلى التصدير بأثمان بخسة و تتعرض مدخلاتها لنهب ممنهج و فساد عضال و سوء تسيير مدمر. 

و إذا كان إخفاق الرعيل الأول من رجال الأعمال الذين هم في الغالب من فئة الأشخاص العصاميين self-made men الذين بنوا نجاحهم المهني بدون رأسمال صاف مقدم و أحيانا في غياب المؤهل العلمي، هو ما تجسد في عدم القدرة على ولوج حيز  الصناعة و المصارف و الشراكة و التمثلية على أرض الوطن بعض الصناعات التحويلية الضرورية التي تستهلك المواد المحلية، فإن إخفاق الجيل المتعلم أمر و أدهى. لم يسعف التعليم و لا كسب المهارات في خلق وجه جديد لهذه المهنة التي شيد بها أقرانهم في بلدانهم صروحا اقتصادية شامخة من خلال المصانع و و المختبرات و التمثيل و التحويل التكنولوجي و خلق المهارات الوطنية و الاكتفاء الذاتي و دخول سوق التصدير و التبادل التجاري المتكافئ. و إذا كان الرعيل الأول قد ظل على بعد مسافة معتبرة من المال العام فإن الأجيال الجدية جعلت الوسيلة و الهدف غي جمع و تكديس الأموال و تحويلها إلى أرصدة جامدة و عقارات خرساء و ترف و بذخ زائلين.   

في فلسطين التي تعاني ما تعاني من الحصار و القهر الإسرائيلي و الجفاء العربي و الغفلة العالمية يضطلع رجال الأعمال بدور ريادي في بناء اقتصاد يسند الثورة و يحمي المواطن الفلسطيني من الحاجة و مد اليد. و لقد انتظموا للمهمة الجليلة في إطار تنظيمي أطلقوا عليه "جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين" تصدر مجلة "رجل الأعمال الفلسطيني". و تشكل المجلة منبرا وهاجا ورافدا  للمعلومات الضرورية بالنسبة لسيدات ورجال الأعمال مع اختلاف قطاعاتهم للمشاركة وعكس آرائهم في العديد من المواضيع الاقتصادية والاجتماعية ذات الأهمية، ولمتابعة ومراجعة أهم القرارات والدراسات والتقارير والأبحاث التي تعنى بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية، و في بعض الأحيان بشكل تحليلي. كما أنها تقوم باستعراض قصص النجاح للشركات والمستثمرين، وللسير الذاتية للقيادات الإدارية والاقتصادية في فلسطين والخارج و تسليط الضوء على أهم نشاطات القطاعين الخاص والعام في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي.

فمتى يتعلم رجال أعمالنا من غيرهم في العالم و من حولهم. إن القطاع الخاص في السنغال و مالي و الجزائر و في المغرب بدأ منذ أمد يحمل العبء الأكبر عن الحكومات فيشغل المواطنين و يتولى تكونهم و تأطيرهم و مصاحبتهم عندما يهمون بالتحليق في عالم الابتكار و الإبداع في استقلالية تامة عن المال العام الذي أصبح موجها كله للبنى التحتية من مؤسسات التعليم و التكوين و التغطية الصحية و الطرق و الأنفاق و سكك الحديد و الموانئ و المطارات و السدود و غيرها.