موريتانيا اليوم/ عثمان جدو

لا أتحدث عن موريتانيا من باب المنارة والرباط؛ شنقيط العلم والعلماء ،
تلك التي بيّض وجهها سفراؤها بعلومهم الغزيرة التي حملوها وبثوها في
ارجاء العالم، ولا أتحدث عن أخلاق الشنقيطي التي عُدَّتْ مدرسة في كل
مجتمع كان له حاضنة ولو بعد حين.. كل ذلك أمر مفروق منه وحديث مدون
محفوظ؛ أُشبع نقاشا وتدارسا وتبني.

إن المتحدث عن موريتانيا اليوم؛ ولو بشكل مقتضب لن يستطيع تجاوز الحضور
الدبلوماسي وتجاعته وفاعليته؛

إننا اليوم نلحظ قبل أي وقت مضى أن موريتانيا التي لا يتذكرها أحد إذا
غابت ولا يسألها سائل إن هي حضرت؛ قد ولى زمانها وتلاشى ذلك الحكم المطوق
لها أيام ضعف الإرادة وترهل الحضور وخمول النشاط وذبول التأثير..

لقد أصبحت موريتانيا اليوم مفتاح حل للأزمات وصمام أمان لكثير من دول
إفريقيا التي تتسم بتعدد وتصارع القوميات وسيادة ثقافة إراقة الدماء
لأتفه الأسباب، وتصفية الحسابات بناء على مصالح الأحزاب وانطلاقا من
تصنيف المواطنين على مبدإ الأحساب والأنساب..

أتحدث هنا برأي مواطن بسيط؛ أحاول تقديم رؤية وطرح وقراءة لما يجري، لا
أوالي موالاة و لا أعارض معارضة، ولا أتحزب -سياسيا- ولم يسبق لي ذلك و
لا أنويه حتى هذه اللحظة، و لا أتخندق تبعا للخلفية الإثنية ولا أنجرف
وراء الميول الأيديولوجي..إنما أنا مواطن ينظر بتامل يعبر بحرية وتجرد؛
وسواء عندي صادف ذلك مستقبلات عن أصحاب اليمين أو اليسار السياسي أو لم
يصادفه..لايهم.

إن ما آلت إليه الأمور في كثير من الدول العربية والإفريقية وانتهى بها
إلى الخراب والدمار وتشريد الحرائر وإذلال الأعِزَّاء؛ أمر يستوجب
التفكير العميق في كنه الحقل السياسي الذي لا تزهر فيه ورود الأمن ولا
تنضج فيه ثمار السلام و لا تُسد فيه خلة مسكين مقهور؛ ينحصر تطلعه في خبر
عادي ونوم هنيء، ولا يهمه بعد ذلك إن كان السلطان شيطانا أو مصاص دماء،
ما دام يجد خُبزه بهدوء ويخلد إلى نومه بسلام..

إن المتأمل لما يجري من حوله بعمق ورويّة سيدرك أن اعتزال السياسة أولى
من المزاولة وأن صون اللسان أولى من إطلاقه وعقد البنان أولى من
الإسدال.. ومع هذا كله مازالت بلادنا تنعم بالهدوء والسكينة والوقار
ونرجو أن يصون الله علينا ذلك بتعقل المتنافسين أو المتصارعين -كل حسب
ماتحلو له التسمية- سواء كانوا سياسيين طامحين أو ساسة متمكنين؛ المهم هو
أمن البلاد ورخاؤها واستقرارها والاستفادة وأخذ العبرة مما يجري في الكون
من حولنا.

إننا لا نخطيء الإيجابية والفاعلية التي حدثت في الماضي بفعل جهود
القيادة الوطنية في حل الأزمات وحقن الدماء سواء كان ذلك في -كوت ديفوار-
أو في -ليبيا- أو -مالي- او -اليمن-؛ والتي كانت محل تثمين وإشادة من
الجميع لما لها من إيجابية وتثبيت لدعائم الإنسانية وطرد للاحتكام إلى
منطق البهائمية، واليوم يفتخر العالم بأن وفق الله *قيادة البلاد* في أن
كانت سبب حقن الدماء في *غامبيا* وإخماد نار القتنة وتقديم الدرس
الإيجابي كاملا؛ والذي سجل بخط عريض في سجل التاريخ المحفوظ في ذاكرة
الكبار والذي سيجبر على ترديده الصغار بكل طرب وانتشاء..

كلنا راحلون سيرحل النظام الحاكم؛ سيموت الحاكم وسيموت المحكوم؛ سيحل محل
القوم آخرون لامحالة؛ لكن لسان التاريخ سيحكي ويحكي ويُثبت أن الإنسان
مجرد ذكريات؛ لكنه في ذات الوقت سيؤكد أن أبقى الذكريات تلك المنهية
للأزمات والمُخلِّصة للشعوب من الحروب والويلات.