شكلت التسجيلات الصوتية التي تم تسريبها من إحدى المجموعات التنسيقية للنصرة على "الواتساب" مناسبة للحديث عن خلاف قوي في واجهة حراك النصرة، ولقد سارع خصوم هذا الحراك إلى تداول تلك التسجيلات بشكل واسع، كما غذوها بكل ما من شأنه أن يعمق الخلاف، وبما أن هذا الخلاف قد طفا على سطح الإعلام الوطني وبكل وسائطه، فإنه لم يعد بالإمكان تجاهله، أو عدم التعليق عليه، حتى ومن بعد اعتذار المحامي.
إن التداول الواسع لهذه التسجيلات، وإن تربص خصوم حراك النصرة بأي خطأ يمكن أن يصدر من واجهة هذا الحراك ليستدعي من واجهة هذا الحراك أن تتوقف مع الأخطاء التي تم ارتكابها في الأربعين يوما الماضية، وأن تعمل في المرحلة القادمة على تصحيح تلك الأخطاء، وذلك من أجل ضمان انطلاقة قوية لقطار النصرة ورحلة أكثر أمانا في
المرحلة القادمة.
بدءا لابد من القول بأن هذه الأخطاء لم تتجاوز في مجملها، لا من حيث العدد ولا من حيث المستوى ما كان متوقعا، خاصة وأننا كنا أمام حراك جماهيري واسع، تولت جانبه التنظيمي والتنسيقي منتديات وجماعات لم تشترك من قبل في أي عمل من هذا القبيل، بل إن بعضها ليست له أي تجربة سابقة في إدارة التظاهرات والوقفات.
إن تصحيح هذه الأخطاء قد بات أمرا ضروريا، خصوصا وأن هناك خصوما كثر لهذا الحراك، وهم على أتم الاستعداد والجاهزية لاستغلال أي خطأ يتم ارتكابه في الواجهة لتشويه هذا الحراك الذي حقق نجاحات غير مسبوقة في مجال الحشد الجماهيري. ثم إن مثل هذه الأخطاء ستعظم وستكبر في أعين الناس، وذلك لأنها ـ وببساطة شديدة ـ قد ارتكبت من طرف أشخاص يشكلون واجهة حراك يرفع أنبل وأسمى الشعارات، ومن هنا تظهر أهمية العمل على تفادي تكرر مثل هذه الأخطاء في المستقبل.
إن من أبرز الأخطاء التي تم ارتكابها خلال الأربعين يوما الماضية:
1 ـ دعوة المنتدى العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنصاره بعدم المشاركة في تظاهرة الثلاثاء 20 ديسمبر 2016.
2 ـ ظهور السفير الإيراني في نشاط تم تنظيمه في يوم الخميس 19 ـ 01 ـ 2017 من طرف زاوية الشيخ "محمد فاضل ولد الشيخ مامينا" دعما لحراك النصرة.
3 ـ تحكم العلاقات الأسرية في واجهة بعض الهياكل التنسيقية.
4 ـ قول الأمين العام للمنتدى العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحشد الأكبر بأن من جلس فهو مسلم ومن بقى واقفا فهو ملحد أو كافر.
5 ـ الدفع بشخص واحد إلى الواجهة الإعلامية لحراك النصرة، وهنا أتحدث عن الأستاذ "سيدي المختار ولد سيدي"، والذي لم يكن هو المحامي الأكثر صلة بالملف، ومع ذلك فقد سيطر على الواجهة الإعلامية لحراك النصرة خلال الأربعين يوما الماضية. فرغم الكفاءة القانونية لهذا المحامي إلا أنه مع ذلك يبقى صاحب خطاب تصادمي، وقد حاول من خلال خطابه التصادمي أن يظهر المجتمع الموريتاني وكأنه قد انقسم إلى فسطاطين: فسطاط خير لا شر فيه يشارك في أنشطة النصرة، وفسطاط شر لا خير فيه لم يشارك في تلك الأنشطة، وهذا تصنيف خطير وغير صحيح، ويجب على واجهة حراك النصرة أن تبتعد عن مثل هذه التصنيفات التي تقسم المجتمع الموريتاني إلى فسطاطي خير وشر. إن الدفع بالأستاذ "سيد المختار ولد سيدي" إلى الواجهة الإعلامية للحراك قد أوقع حراك النصرة في صراعات ومآزق إعلامية عديدة، ولعلكم تذكرون حديث الأستاذ عن حب آل البيت، وخصه بذكر رئيس الدولة ورئيس الحزب الحاكم عند حديثه عن حب آل البيت.
إن هذه الأخطاء مع غيرها مما لم أذكر، يجب العمل ـ وبشكل عاجل ـ على تصحيحها في المرحلة القادمة، وذلك من أجل ضمان بقاء واجهة الحراك، ومن أجل ضمان انطلاقة أقوى لحراك النصرة في المرحلة القادمة.
ومن الأمور التي يجب أيضا أن يلفت الانتباه إليها هو أن الفترة الحالية يجب أن لا تكون مجرد فترة استراحة، فمثل ذلك، قد يتسبب في تراجع الحماس لدى جماهير النصرة، وهو ما قد يصعب مستقبلا تنظيم حشود كبيرة بحجم حشد 31 يناير، إن ظهر مستقبلا بأن هناك حاجة ماسة لتنظيم تظاهرة بحجم تظاهرة الثلاثاء 31 يناير.
إن المرحلة القادمة يجب أن تخصص لوجه آخر من أوجه النصرة، وذلك بعد أن تم الإعلان من خلال بيان عن توقيف التظاهرات في ساحة ابن عباس.
إن أنشطة النصرة يجب أن لا تنحصر فقط في الدفاع عن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إنها يجب أن تشمل كذلك العمل على نشر سنته، وخاصة في مجال الإنفاق على الفقراء والمستضعفين والمحتاجين، والذين قد لا يجد بعضهم من ينفق عليه غير منظمات مسيحية تروج للإلحاد وتشجع على الإساءة إلى المقدسات باعتبار أن تلك الإساءة تدخل في مجال حرية التعبير.
إني أقترح في هذا المجال أن يتم تخصيص فترة الاستراحة هذه لتنظيم أنشطة أسبوعية (مساء كل جمعة) باسم حراك النصرة للإنفاق على الفقراء والمحتاجين، ويمكن في هذا المجال تنظيم أنشطة عند المستشفيات وفي الأحياء الفقيرة تستدعى لها جماهير النصرة ويفتح فيها المجال للتبرع لمن أراد أن يتبرع على أن تسلم التبرعات ـ وبشكل فوري ـ لبعض المرضى إن كان النشاط قد تم تنظيمه في أحد المستشفيات، أو لبعض الأسر الفقيرة إن كان النشاط قد تم تنظيمه في حي فقير من أحياء العاصمة، وبذلك فسيظهر أن حراك النصرة لا يهتم فقط بجانب واحد من جوانب نصرة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. كما يمكن في هذا الإطار أن يتم التفكير في المستقبل في إطلاق مؤسسة تحمل اسم النصرة للعمل الاجتماعي، وتعنى بمد يد العون للفقراء والمحتاجين في هذه البلاد، على أن يتولى تمويلها وتسييرها بعض الجهات الفاعلة حاليا في حراك النصرة.
بهذا المقترح أكون قد أجبتُ على سؤال كنتُ قد عنونتُ به مقالي السابق، ولكني لم أجد المساحة الكافية للإجابة عليه في ذلك المقال، وأقصد هنا السؤال الذي يقول: وماذا بعد الحشد الأكبر؟
على محبي الرسول صلى الله عليه وسلم، وخاصة من انخرط منهم في حراك النصرة أن يعلم بأن عدم إعانة الفقراء والمستضعفين والمحتاجين في هذه البلاد سيترك المجال واسعا لتدخل بعض المنظمات الغربية من أجل مواصلة عملها الهادف في بعض جوانبه إلى تشجيع الإلحاد والإساءة إلى مقدساتنا الدينية.
وعلى محبي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتذكروا بأنه كان منفقا من قبل نزول الوحي عليه، أما من بعد نزول الوحي فحدث ولا حرج.
ولكم أن تتأملوا في ما قالته أمنا خديجة رضي الله عنها لتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي : "كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
حفظ الله موريتانيا..