في خرجته الإعلامية مساء الأربعاء أكد الجنرال محمد ولد عبد العزيز تمسكه بتنظيم استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية التي رفضها مجلس الشيوخ قبل أيام، وبغض النظر عن الحديث حول عدم دستورية الاستفتاء المنتظر تنظيمه قريباً حسب تصريح ولد عبد العزيز بعد رفض التعديلات من طرف مجلس الشيوخ،
هناك نقطة تتعلق بالاستفتاء لا شك أن الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب الموريتاني يؤكد من خلالها على أن خطوة الاستفتاء مشروع شخصي لا علاقة له بمطالب الشعب الموريتاني المقهور، ويتعلق الأمر هنا بإنفاق 6 مليارات أوقية على تعديلات دستورية لو افترض أنها واردة منطقياً فإن الانشغال فيها الآن وتبذير ذلك المبلغ الهائل من خزينة الشعب على إجراء استفتائها ترف فاضح خصوصاً في ظل تزايد معاناة الشعب الموريتاني من ارتفاع الأسعار وانعدام الخدمات العمومية الأساسية كالتعليم الذي أصبح في كل بقعة من الوطن عبارة عن مؤسساتٍ رأسمالية تنهك كاهل المواطن المسحوق، بالإضافة لفوضوية قطاع الصحة الذي يعاني هو الآخر في كل مجالاته بسبب غياب الرعاية والرقابة الحكومية الجادة. فالأدوية المزورة أصبح الحديث عنها اليوم أمراً عاديا لا يثير أي اهتمام عند السلطة التي وصلت درجة الفشل الإداري والأخلاقي عندها حد التنازل عن كل مسؤولياتها اتجاه شعبها. كما أن حالة الأمن مخجلة ففي كل يوم هناك أخبار عن حالات اغتصاب أو قتل وسط العاصمة نواكشوط. دون أن ننسى البطالة المنتشرة في صفوف الشباب.
الغريب في الأمر هو أن هذه التعديلات أو المشروع التجاري الخاص الذي سيستفيد منه فقط رأس النظام الموريتاني سواءً فيما يتعلق بإلغاء المحكمة السامية التي ستسمح له بالخروج من دائرة إمكانية المتابعة القضائية أو قضية تغيير العلم التي ستسمح هي الأخرى لشخصيات مقربة منه بصفقات زبونية كبيرة لاستنزاف الخزينة العامة، يحاول النظام أن يروج لها على أنها نتائج سياسية مقنعة وحصيلة لحواره الماضي مع مجموعة من الأحزاب السياسية أغلبها أحزاب كرتونية مع كل من يتحكم في البلاد، والقلة المتبقية عبارة عن حزب عريق وأحزاب لشخصيات شكلت جزءً من المشهد السياسي في الفترات السابقة، لكنها في الفترة الأخيرة فقدت جديتها عندما أصبح النظام يستخدمها في معركته مع المعارضة المقاطعة دون أن تشعر بالخجل أو تظهر عليها علامات الحرج وهي تصفق لولد عبد العزيز في مؤتمره الصحفي الأخير مكرراً : "لن أقدم استقالتي بعد رفض مقترحي للتعديلات الدستورية". حالة التصفيق تلك مثلت بداية النهاية لأشخاص كانت غالبية الشعب تعتبرهم أصواتاً سياسية جادة رغم اختلاف المسارات والخيارات السياسية.
إذا كانت المصالح الشخصية للشيوخ هي التي دفعتهم لرفض تعديلات دستورية تقدم بها شخص كان بالأمس القريب هو الملهم بالنسبة لهم فإن الدخول في خطوة الاستفتاء الشعبي والمواطن يعيش ظروفا صعبة جدا ستشكل هي الأخرى صدمة ونكسة لنظام ولد عبد العزيز حتى لو مررها بطريقة التزوير المتوقعة لأن الاستفتاء سيجري دون رقابةٍ جادة، وكل الطيف السياسي المشارك في الاستفتاء داعم للتعديلات الدستورية من زاوية واحدة هي زاوية التحدي للمعارضة المقاطعة. تمسك الجنرال ولد عبد العزيز بتنفيذ مشروعه المتعلق بالتعديلات الدستورية والإعلان عن استعداده لذلك مالياً جريمة في حق الوطن والمواطن، سيرتكبها النظام وسط تذمر شعبي في مجالات عدة لم يعلق عليها ولد عبد العزيز في مؤتمره الصحفي الذي أعلن منه الدخول في الاستفتاء، بل اختار تجاهلها بسخرية مزعجة في رده على الصحفي الذي حاول طرح سؤاله حول تلك القضايا التي من أبرزها الآن أزمة الطلاب في الخارج بعد قطع منحهم من طرف وزارة التعليم العالي، وكذلك أزمة العطش في الحوض الشرقي وبقية ولايات الوطن بالإضافة لمعاناة المسافرين على طريق روصو نواكشوط وروائح موكا في نواذيبو والحديث عن الأدوية المزورة إلى آخر قائمة المعاناة الطويلة التي عجز نظام ولد عبد العزيز عن حلها محاولاَ التستر على فشله بعبارة "هذا كامل من تراكمات الماضي".
ذلك الماضي الذي كان هو جزءً منه وإن افترضنا أنه كان طيلة الأحكام الماضية في جوارٍ للكعبة الشريفة - وهو افتراض وهمي – فإنه الآن في السنة التاسعة له كرئيس للجمهورية وعلى بُعد سنة واحدة من ترك رئاسة الجمهورية التي لازال يحمل فشلها لمن كان يحرسه في زيارات التضليل التي يُقلدها هو الآن بنفس أسلوب احتقار المواطنين واعتبارهم مجرد قطيع وجد ليصطف خلف القائد الذي يفرض نفسه بالقوة ولا حق لهم في خيرات بلدهم التي يوزعها القائد المتسلط على المقربين منه والمتملقين له من "النخبة" وشيوخ القبائل.