تبيينا للحق في الصراع العقاري ودور الساسة في تأزيمه

شغل الصراع العقاري الدائر بين مجموعتي "الوسرة" و"اجمان" في الحوض الشرقي حيزا لا بأس به من وقت ومجهود الإعلام المحلي وخاصة في المواقع الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي. وقد بدأ هذا الصراع منذ ما يربو على الخمسة أشهر، سالت خلالها دماء الأبرياء وتصارعت في خضمها أذرع الوجاهة وتناطحت فيها ثيران السياسة، وغاب صوت الحكمة والتي هي أحسن في معمعان أصوات الغضب وزمجرة الثأر الجاهلي، ولم تجدي نفعا الوساطات الباهتة التي قام بها أصحاب النوايا الحسنة في حلحلة الأزمة المستفحلة.

 

وكمراقب لهذا الصراع منذ ابتدائه، عارف بالمجموعتين المتنازعتين وأسباب النزاع، لا يسعني إلا أن أدلي بدلوي إحقاقا للحق ونصرة للمظلوم وضربا على يد الظالم. وسأحاول في هذه السانحة إنارة الرأي العام حول حيثيات الصراع وموجبات ديمومته وأبعاده، دون الغوص في التاريخ البعيد على أهميته. حيث أنه سال الكثير من الحبر ودبجت المقالات ونشرت الفيديوهات والصوتيات التي ضللت المتلقي وحالت بينه دون اتخاذ موقف يحسم الجدل ويوقف النزاع.

 

 

إن المتابع لما نشر حول صراع المجموعتين في المواقع الالكترونية والفيسبوك والواتساب، يلاحظ بجلاء اندفاع مجموعة "اجمان" نحو نسبة الظلم "للوسرة" وإظهارهم على أنهم غاصبين للأرض واتهامهم بالاعتماد على نفوذ ابنهم الوزير الدكتور مولاي ولد محمد لقظف لظلم الآخرين وسلب حقوقهم، ويظهرون أنفسهم كضحايا ومظلومين. في مقابل صمت مجموعة "الوسرة" وتغليبهم لمنطق الحكمة والنأي بأنفسهم عن المهاترات والمناكفات المتهورة، إيمانا منهم بعدالة قضيتهم ومشروعية مطالبهم. 

 

إن الأرض المتنازع عليها في الحقيقة هي ملك "للوسرة"، تثبت ذلك الوثائق التي توصلت بها، والصادرة عن حاكم مقاطعة النعمة، وكذلك الصلح الموثق بين المجموعتين سابقا، وملف مفوضية الأمن الغذائي التي حاولت من خلاله انجاز مشروع زراعي لصالح مجموعة "اجمان".

إن الصراع قديم متجدد على أرض تقع شمال بنكو على الشريط الحدودي الفاصل بين أراضي المجموعتين. وقد تم تغييره عدة مرات ودفعه باتجاه عمق أرض "الوسرة" بناء على طلب من "اجمان" وموافقة من "الوسرة" مراعاة منهملروابط الجوار وأواصر القربى التي تربط بين المجموعتين. حيث أن مجموعة "الوسرة" معروفة لدى المجموعات المحلية المجاورة بالسلم ومحبة السلام والأمان والتضحية بالأرض والممتلكات من أجل تعزيز هذا السلم والتعايش والتآخي بين الجميع. ولطالما استغلت القبائل المجاورة "للوسرة" من أمثال "اجمان" و"ادوبلال" و"أهل الطالب"طيبوبة المجموعة ولين جانبهم من أجل الإستيلاء على أراضيهم واستثمارها لصالحهم، ولطالما تغاضت "الوسرة"عن ذلك لاعجزا أو مخافة ولكن حبا في السلام وإشاعة التآخي. وهذا أمر معروف لدى الجميع. وقد شبه أحد المسؤولين في الدولة ذات مرة أرض "الوسرة" بقطاع غزة نتيجة لما تم اقتطاعه منها لصالح القبائل المجاورة.

في العام الماضي، قامت مجموعة من "اجمان" بتجاوز الشريط الحدودي وبناء سد تقليدي، مما استدعى تقديم شكاية للسلطة الإدارية في النعمة من طرف "الوسرة". وبعد تحقيق السلطات، أمر الحاكم بإزالة السد وإعادة ترسيم الحدود بحضور الطرفين. إلا أن مجموعة "اجمان" لم ترضخ للأمر الواقع وأعادت الكرة هذه المرة بجلب مشروع من طرف مفوضية الأمن الغذائي في الجانب الغربي من الحدود هذه المرة وفي عمق أرض "الوسرة"متذرعين بوجود عريش يسكن فيه أحد المنتسبين لهم كانت مجموعة من "الوسرة" قد أعارته أرضا يسكن فيها واشترطت عليه عدم بناء منزل حتى لايدعي ملكيتها. وعندما هم أصحاب المشروع بوضع سياج داخل أراضي "الوسرة" مدفوعين من طرف عناصر من "اجمان"، حضرت ثلة قليلة من "الوسرة" وتصدت لهم. فحدث اشتباك بالعصي بين الطرفين وسقط جرحى من كلا الطرفين، وتم توقيف المشروع وحجز المتنازعين على ذمة التحقيق. كان هذا في نوفمبر من العام الماضي.

وعندما أن مجموعة "اجمان" أحست بقرب حسم الموضوع قضائيا لصالح "الوسرة"، ومن أجل إدامة الصراع وتأجيل حل الموضوع علهم يتحصلوا على شيء من الأرض بتعقيد الوضع أكثر، قامت مجموعة تتكون من 27 شخصا من "اجمان" بالإغارة على 5 أشخاص عزل من "الوسرة" أغلبهم شيوخ عند بحيرة "العجنة" وقاموا بضربهم بالعصي والسكاكين حتى سقط أربعة منهم غرقى في الدماء على الفور، تم رفع اثنان منهم لانواكشوطللعلاج وهم في غيبوبة تامة، واستمر علاجهم شهرين ومازالوا إلى الآن يراجعون الطبيب. وكنتيجة لهذا العمل الوحشي لازمت اثنان منهم إعاقات مدى الحياة. وهم أحياء يرزقون الآن في بنكو ويمكن لأي كان معاينة وضعهم للتأكد من صحة هذه المعلومات.

وعندها قررت مجموعة "الوسرة" استرداد حقوقهم بالطرق المشروعة وعدم التنازل عن أي شبر من أرضهال"اجمان"، يرغمهم على ذلك المنطق وجراح أبناءهم النازفة. 

وللتوضيح فإن هناك قضيتين منفصلتين نتيجة لهذا الصراع: هناك جانب النزاع على الأرض والذي لم تحسم قضيته لحد الآن، وهناك الجانب الجنائي الناتج عن واقعة "العجنة" وهو ماقال القضاء كلمته فيه لصالح مجموعة "الوسرة" المغدورة. 

إذا بعد خمسة أشهر من التوقيف، تم إطلاق سراح الموقوفين من "الوسرة" لعد ثبوت التهم الموجهة إليهم، وسجن بضعة أشخاص من "اجمان" لمدد بسيطة تتراوح بين سنة وسنتين وغرامات مالية لاتتعدى 30000 أوقية.

بعد صدور منطوق الحكم، رضيت به مجموعة "الوسرة" على علاته لأنه لايستجيب لتطلعاتهم ولايرد حق أبناءهم الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الموت. وبالمفارقة، اعترضت مجموعة "اجمان" وأقامت الدنيا على "الوسرة"والقضاء والدولة والحزب والدستور، في حركة أقل ماتوصف به أنها متهورة وصبيانية. فبدل الرجوع إلى الحق والبحث عن صلح مع "الوسرة" واسترضائهم، إلا أن القوم كابروا وستمروا في غيهم، يدفعهم إلى ذلك نزوات موظف سابق تم فصله بعد اكتشاف سوء تسييره لقطاع كان على رأسه، وأحلام نائب يتمنى إعادة انتخابه برلمانيا. 

إن صراع "الوسرة" و"اجمان" ليس صراع قبيلتين على قطعة أرضية، إنما هو صراع الساسة والنفوذ الذي وصل إلى أبعد الحدود، وذهب ضحيته أبرياء لاحول لهم ولاقوة. فلولا تسييس الأمر من طرف "اجمان" لما وصل إلى هذا الحد. وما إعلانهم عن مقاطعة الدستور والتعبئة ضده إلا دليل صارخ على أن هناك من يوجه الصراع ويلعب بأياد خفية بمصير قبيلتين متجاورتين، ضاربا عرض الحائط بالتعايش السلمي بينهما على مر السنين وصلات القربى والنسب التي تربطهما لحاجة في نفسه.

فمتى ياترى سيتوقف هذا النزيف؟ ويتغلب صوت الحكمة على صوت الجاهلية؟!

 

الداه ولد ميمون