تشكل الثروة السمكية المتواجدة بكثافة على سواحل موريتانيا موردا رئيسيا هاما لشريان الاقتصاد المحلي هناك. إلا أن هذه الثروة، التي تجذب بحارة من دول أخرى، تتواجد على سواحل دولة فقيرة، يعيش نصف سكانها تحت خط الفقر، وتتجاوز معدلات البطالة فيها أكثر من ثلث السكان، وليس لديها قدرات استثمارية لتطوير صناعة الصيد البحري.
وعلى 755 كيلو مترا تمتد الشواطيء الموريتانية، المعتبرة من الأغنى على مستوى العالم، واتي تحتوي على أنواع من الأسماك تصل إلى 300 نوع، منها 170 نوعا قابلا للتسويق عالميا، لا سيما في عدد من الدول الغنية أبرزها دول الاتحاد الأوروبي، واليابان وكذلك الصين وروسيا.
وتعد موريتانيا أكبر مُصَدِّر عربي للأسماك بنحو 44 في المئة من إجمالي الصادرات العربية، كما تملك 18 في المئة من إنتاج الأسماك العربية، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بعد المغرب ومصر، وتصدر نحو 95 في المئة من مجموع ثروتها السمكية للاتحاد الأوروبي.
وارتفع الإنتاج الوطني من الأسماك في موريتانيا من 90 ألف طن في 2009 إلى 773 ألف طن في 2016، وفق آخر احصائيات وزارة الصيد الموريتانية الصادرة قبل شهرين، لكن ما تزال تلك المستويات دون المأمول.
وقال مختصون ان الثروة السمكية في موريتانيا مهددة بالنضوب بسبب ضعف الرقابة البحرية وجشع المستثمرين وتواجد كثيف لسفن وأساطيل الصيد الأوروبية. يحدث ذلك في وقت يشكو فيه آلاف الصيادين المحليين من نقص في البنى التحية الخاصة بتفريغ حصيلة صيدهم، ومضايقات الصيادين الأجانب، وغياب دور السلطات في حماية الصيادين الموريتانيين. وحسب إحصائيات وزارة الصيد، فإن عدد المصانع الخاصة بالمنتجات البحرية وصلت عام 2016 إلى 135 مصنعا، حاصلا على اعتماد معايير الجودة الأوروبية، فيما ارتفعت العمالة البحرية المباشرة من 36 ألفا في 2009 إلى 60 ألفا في 2016. وتقترب عائدات البلاد من العملة الصعبة الناتجة عن تصدير الأسماك من 950 مليون دولار أمريكي سنوياً. غير ان المختصين أشاروا إلى وجود استنزاف مفرط للثورة السمكية من قبل الأسطولين الصيني والأوروبي، اللذين يصطادان على نطاق واسع داخل المياه الموريتانية.
وقال الصياد محمد الأمين ان الحكومة لا تقدم ما يكفي من دعم للصيادين المحليين، مشيراً إلى إنهم يعانون بشدة جراء منافسة الأجانب وسفن الصيد العالمية العملاقة. وأضاف أن الدولة مطالبة بعمل خطة من أجل تنمية قطاع الصيد التقليدي، لتأمين السوق المحلية بالأسماك، بدل إعطاء الأولوية للسفن العالمية التي توجه حمولتها للأسواق الدولية. وتابع «الدولة لا توفر الحماية للصيادين المحليين، ونطالب الحكومة بتوفير الحماية وتقديم الدعم لتطوير القطاع وتوفير مزيد من فرص العمل للحد من البطالة». من جانبه، قال عبد الله مالك، وهو تاجر أسماك في نواكشوط، ان السفن الأجنبية، خصوصا الصينية، باتت تشكل خطرا حقيقيا على مستقبل الثروة السمكية، بما يهدد الحياة البحرية جراء غياب المعايير اللازمة لعمليات الصيد، وضعف الرقابة على السفن المرخص لها. وأضاف أن السفن العالمية المرخص لها بالصيد لا تراعي المعايير البيئية، مما يتسبب في تلوث المحيط ويهدد مخزون البلاد من الأسماك.
ودعا الحكومة إلى اتخاذ خطوات سريعة من أجل اتخاذ تدابير لحماية مخزون البلاد من الأسماك، من خلال مراقبة عمليات صيد السفن العملاقة. وكان وزير الصيد والاقتصاد البحري، الناني ولد اشروقه، أكد في تصريحات سابقة أمام البرلمان أن الحكومة عملت خلال السنوات الأخيرة على تجديد أسطول الصيد التقليدي والشاطئي.
وأضاف «كما تبذل الحكومة جهودا لهيكلة نشاط الصيد التقليدي، الذي يوفر ما يربو على 80 في المئة من إجمالي فرص عمل القطاع، ويقوم على تموين السوق المحلية بمنتجات السمك ويساهم بقسط وافر في حركة التصدير». وأوضح أن أستراتيجية الحكومة أقرت نظام ولوج جديد للثروات، ويعتمد على نظام الحصص الذي يمكن من ضبط الكميات التي يتم اصطيادها، بحيث لا تتجاوز المسموح به في إطار الاستغلال المستدام، حفاظا على حق الأجيال اللاحقة من هذه الثروة. يذكر أن الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك هي الوحيدة التي تتولى عمليات تسويق ثورة البلاد البحرية، ويقع مقرها الرئيسي في مدينة نواذيبو العاصمة الاقتصادية للبلاد.
وتعتبر هذه الشركة المُصَدِّر الوحيد للأسماك المجمدة من موريتانيا منذ يونيو/حزيران 1984، وتسوق حوالي 50 ألف طن سنويا من الأسماك المجمدة، وفقا لمعطيات وزارة الصيد.