حب الوطن من الإيمان/ عثمان جدو

المواطن والوطن والوطنية؛ كلها أسماء ومصطلحات إذا تشبعت بحقيقة معانيها أفضت إلى المواطنة، والمواطنة مصدر على وزن مفاعلة، يدل هذا المصدر على التفاعل والتشاور والتعاون و التشارك؛ سواء كان التفاعل بين الفرد و المجتمع أو بين الفرد والدولة، حيث أن المواطنة تتجاوز الوطنية التي هي حب الوطن إلى تطبيق ذلك وبلوغ ذروة التفاعل حوله.

 

لقد أقسم الله تبارك وتعالى بالبلد، قال جل من قائل: ( لا أقسم بهذا البلد) أي أقسم بهذا البلد، يعني *مكة* وهي موطن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومكان ولادته ونشأته، ولقد قال -صلى الله عليه وسلم- عندما أخرجه قومة من مكة: (والله إنك لأحب البقاع إلي ولولا أن قومك أجرجوني منك ما جرجت) - أو كما قال- عليه الصلاة والسلام، كل هذا يدل دلالة شرعية وكونية راسخة على حب الوطن ومكانته، فحب الوطن من الإيمان، والإنسان الذي له حظ من الإنسانية عزيز بوطنه، ومعروف أنه كلما نمت مواطنة الإنسان زاد إخلاصه لوطنه.

 

إن أي مواطن مهما كان انتماؤه لأي وطن فإن ذلك الانتماء تترتب عليه متطلبات؛ تتفاوت وتختلف باختلاف المجتمعات وتباين طبيعتها، ومنها ماهو مشترك ومطلوب من أي مواطن تجاه مجتمعه، نذكر منها استئناسا ما يلي:

 

يجب على كل مواطن أن يتعامل  مع القضايا التي تهم وطنه بحكمة و وسطية واعتدال، وأن لا يتسم بالتعصب والتطرف في القضايا المختلفة التي يواجهها مجتمعه الذي ينتمي إليه، ثم إن عليه أن يسعى في سبيل تنمية القيم التي تزيد من المنافسة الفعالة والإيجابية خدمة لنماء الوطن وازدهاره.

 

إن من أحس بالوطنية وذاق حلاوتها -مهما كان مستوى ذلك- لن يتأخر عن الاضطلاع بدور إيجابي يخدم به وطنه؛ سواء كان ذلك الدور اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو سياسيا أو أمنيا أو تنمويا أو جمعا بين الجميع.

 

إن الحد من الاعتماد والاتكال على الظروف الخارجية لتحصيل الفرص-مهما كانت طبيعتها- وإحراز النجاح - مهما كانت ماهيته- هو عينه الثقة في النفس والاعتماد على الذات وهو السبيل السالك إلى تعزيز الهوية الوطنية وجعلها ترفع من همة المواطنين وتزيد شعورهم بالانتماء الباعث على الفخر والاعتزاز بالمنبع والموطن.

 

من المؤكد أن الإنسان الصادق في مواطنته هو الذي يزاوج القول بالعمل، ويحول كل ما يؤمن به إلى واقع ملموس؛ من خلال أنشطة مجسدة تطبيقية، حفاظا على المكتسبات التي كافح الآباء والأجداد من أجلها، فالمواطنة الصادقة ليست شعارات ولا عبارات تطلق في الفضاء!، بل هي سلوك يقوم به الفرد تجاه وطنه؛ إظهارا لحبه وإخلاصه وتجسيدا لذلك كله بالممارسة قولا وفعلا.

 

يجمع خبراء الاختصاص على أن حصول المواطنة وإحقاقها تتولد عنه تجليات من أظهرها:

-الحفاظ على مكتسبات الوطن وإنجازاته؛ بغض النظر عن التباين في تقييمها.

-المحافظة على الممتلكات العامة 

-تجنب القيام بأي عمل يحمل الإساءة لأي مواطن؛ قولا أو فعلا.

-الإسهام الفعال في تطور الوطن في مناحي الحياة المختلفة.

-عدم التساهل أو التعاطف مع كل من تسول له نفسه العبث بمكتسبات الوطن؛ والنصح لهم وإرشادهم وبيان أهمية هذه المكتسبات الذي ينبغي أن يتساوى الجميع في التعلق بها كمكتسب وطني وأيضا ينبغي أن يستفيد منها كل مواطن على نفس المسافة بفعل التساوي في المواطنة والانتماء.

 

على كل مواطن أن يتحمل مسؤوليته تجاه ماتحقق من إنجازات وتطور في ميادين شتى، وعليه في سبيل ذلك أن يساهم في تنمية روح المواطنة من خلال القيام بأنشطة تخدم ذلك، قد يكون منها على سبيل المثال: التوجيه المنزلي لكل من يشتركون معه في ذلك المحيط وكذا التوجيه المدرسي والاجتماعي ثم التوجيه الوظيفي من خلال أعمال تطوعية قد تكون يومية أو أسبوعية.

 

إن المتحدث عن الوطن والمواطنة لن يعدم الحديث المدعوم بالشواهد؛ فالموضوع أشبع طرقا، شعرا ونثرا، ولله در القائل: 

بلادي وإن جارت علي عزيزة # وأهلي وإن ضنوا علي كرام.

وكذا القائل: بلادي هواها في لساني ودمي# يمجدها قلبي ويدعو لها فمي.

 

لايمكن حصر الشواهد والأمثلة على ماتقدم بخصوص المواطنة؛ لكن المسلم به والذي ينبغي أن يتساوى الكل في فهمه وإدراكه أن الوطن وطن الجميع وصيانته مسؤولية الجميع لاينبغي أن يؤثر فيها الخلاف السياسي أو الفكري ولا التباين الوظيفي.

*الوطن فوق كل اعتبار*