القصة الكاملة لحادثة سقوط طائرة الرئيس الموريتاني يونيو 2009

كتب الوزير المنتدب لدى وزير التهذيب الوطني المكلف بالتعليم الثانوي السابق، والامين العام الحالي للحزب الحاكم الاستاذ/ عمر ولد معط الله بعضا من ذكرياته عن الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 2009 والتي فاز فيها الرئيس محمد ولد عبد العزيز. ونختار منها المقطع المتعلق بحادثة سقوط الطائرة في الصحراء شمال مدينة تمبدغة حيث جاء فيه :

 الساعة..07:30  اليوم الأربعاء 24/يونيو/2009

 

نحن الأن نحلق في هذا الأفق المترامي، نبتعد عن أحضان ولاته الدافئة، لتسلمنا لموريتانيا الأعماق، موريتانيا بأفقها الرحب الذي يمنح الشعور الكامل بالحرية ، بقدرما يمنح شعورا موازيا بالمسؤوالية..

 

نتجه غربا صوب تامشكط التي تجدد خضاب أصابعها بالحناء استعدادا لعرسها الجميل، هدير المحركات يصم الآذان ، ويبدو أن شيئا ما أصابها.. الكثبان البعيدة تبدوا كخطوط معوجة خطتها ضاربة رمل ؛فهي تتوهج تحت شمس تكاد تشرق وتتوعد بيوم قائظ.. كنت أنزع إلى نوم منقط بضجيج الطائرة ،كنا نتواصل بالإشارات لاأحد يسمع من أحد.. لكن شيئا وقع.. ماذا جرى؟ يبدو أن الطائرة تقترب من الأرض ..المصور قربي أشار إلي طلبا لمعرفة الوقت، وإلى جهة الأرض، ظن أن عليه أن يجمع معداته استعدادا للهبوط، لكني أشرت إليه بالنفي، وأن الساعة مازالت مبكرة، وأننا لم نطر لأكثر من ساعة، الساعة الآن لاتتجاوز السابعة والنصف.. يبدو أن صوت المحرك يتضاعف ، وأن هناك خطبا ما وقع، لكن الطائرة ترتفع من جديد، ويبدو أن فريق القيادة قرر أن تأخذ الطائرة نفسا من الهواء ليعيد المحاولة من جديد ، أصبح من الواضح الآن أن الطائرة تهبط اضطراريا، وبأعصاب هادئة قام الطيار ومساعده بإنزالها، وفتحوا الأبواب، وطلبوا من الركاب فك الأحزمة، والنزول، دخان يتصاعد، نزل الجميع، وبدا الهدوء واضحا على الجميع، أحسست للحظة أنني أنزل على سطح القمر، وفي لحظة تغير المشهد.. كنا نسبح في الفضاء الفسيح، فإذا نحن في أحضان مفازة.. تمتد رمالها الذهبية الوردية، على مدى الأفق، الشجيرات والأعشاب المنتشرة هنا وهناك، وتخرس الطائرة. بعد انتشار رائحة دخان أقرب إلى أثر التماس الكهربائي.. وبعد تفحص حذر للطائرة من طرف طاقمها.. الحكم الذي صدر من الطيار واضح وقاطع ومحير:

 

” لايمكن للطائرة أن تقلع مرة أخرى”.. ، الكل في سريرته يحمد الله على النجاة، دون أن يحرك شفتيه، ففي هذا النوع من المواقف حين يشعر الإنسان بأنه نجا من مصير محقق، يحاول أن يتظاهر بعكس مايجنه.. أو أن الحدث كان أسبق وأسرع من ردة فعله..لم أشعر بالخوف لكن أظن أنه بعد الحادثة أصبح كل منا يغرس رجله في الأرض أكثر ليشعر بأنه غير معلق بين السماء والأرض، فلا شعور بالأمان أكثر من ملاصقة هذه الأم الغبراء.. لاأحد ينبس ببنت شفة، الهدوء يسود الجميع لكن الحيرة أيضا تحوم حول الموقف،.. من الواضح الآن أن الأنظار تتجه صوب القائد، الرئيس في المقدمة، وصحبة الطيار يحاول الرئيس تحديد إحداثيات الموقع بدقة، هناك اتصال لتحديد الموقع من طرف مدير التشريفات التومي، بواسطة الثريا، والتأكيد على إبقاء الحادث في دائرة السرية ما أمكن.. القافلة تتحرك، لقد رأى التومي قبيل هبوطنا الاضطراري خياما قريبة إلى حد ما، مما يعنى أننا في منطقة مأهولة.. الأمر في منتهى الأهمية، فنحن لانملك قطرة ماء…. الطائر المهيض الجناح يقبع وسط الرمال السائلة في اتجاه تقرره رياح قُلَّب، دخان أبيض يتصاعد منه ورائحة دخان البلاستيك تشعرك أن الإصابة بالغة، وسائل أصفر ينزف من مستودعات الوقود أو الزيوت..

 

وانطلقنا نسير في اتجاه الخيام، البعيدة نسبيا عدة كيلومترات، وكأننا وسط مركب شراعي تحركه ريح رخاء.. فالجميع يحملق في هذا الأفق المفتوح على أبواب من العدم، لكن الشعور بمتعة التجربة كانت تغويني، وأنا أشعر بأن النجاة من هذه الحادثة دليل واضح على أن المهمة التي نسعى إليها ستتحقق.. مجرد شعور!.. كل واحد منا يسعى إلى أن يجد أثرا للحياة على هذا الأديم المترامي الأطراف.. الشاب أحمد ، وهو أحد الحرس الخاص يرى راكبا يحث الخطا بعيدا .. أسرع في اتجاهه.. انتهزت أنا فرصة وجود حقف وردي ناعم قريب، فصليت ركعتين.. الرئيس رأى جملا يحمل على هودج طفلا وامرأة فقال: “يوجد حي قريب”.. وعلى أثر الجمل سرنا الرئيس وأنا وقيس، كنا نقص أثره لكنه كان ينزاح بنا بعيدا عن المنطقة، بسرعة ..

 

ومع انتشار خبر حادثة الطائرة- يقولون إن الأخبار غير السارة طيارة، وأن الخبر الجيد مقعد- بدأت نواكشوط تنفخ أوداجها وتضخ الشائعات المغرضة، وبدأ خصوم عزيز يتمنون له ما وضع الشعب الموريتاني بكافة أطيافه يده على أنفاسه خوفا من أن يقع.. في هذه الدقائق بالتحديد تعطى الحياة جديدا، وتولد للسيد الرئيس بنت جميلة، كانت صرختها الأولى تتحدى أصحاب الشائعات، وتقول “أبي في الطريق إلى المجد، وسيقود البلد.. إنه الرئيس الوشيك للجمهورية الإسلامية الموريتانية..

 

لكل طريقته في الحياة، ولاشيء أجدى من أن يمتلك الإنسان الإرادة للإسهام في صنع مصيره، وانتهاج الطريق الذي اختاره.. عزيز رد على كل تلك الأباطيل بأن مهد الطريق لشعاع من الأمل، وهاهو يتمسك بهذا الخيط في ذلك الركن القصي من أرض موريتانيا.. كان يمسك بيده جهاز الثريا، وهو يضع بعض الترتيبات.. لكن لم يفته أن يؤكد على أن الاتصال بواسطة الثريا ” مشوش وناقص”.. الابتسامة في الأوقات العصيبة، هي ضرب من التماسك الضروري لتستمر وتيرة الحياة، وكان عزيز في هذه المحنة منشرحا، ومتفائلا.. الساعة الآن بالضبط هي الثامنة وسبع دقائق، والحر يصاعد، وينذر بالمزيد، ..الرئيس يسير بأمله، وأنا كنت أسير أمام قيس الذي أبطأه الكبر في السن، والتومي الذي أبطأه قيس، ، الأمل يراودنا في الوصول قبل أن تغضب غزالة الصحراء التي عودت ساكنة هذه المجابات على زورتها الحارقة كل يوم، ونحن لانملك قطرة ماء..

 

وفجأة طالعنا جَمَّال أفادنا بأنه رأى “سيارتنا” وهي تهوى فسار في اتجاهنا، وبأن الحي قريب، وأنه يستقى من منهل” ورك انكط”، وقد طلب الجمال من قيس أن يركب، الجمل،فركب وبدأنا نسير..الرجل يدعى الشيخ ولد اعبيد، وهو منقبيلة لحمنات، يرتدى دراعة زرقاء، حافي القدمين، يبدو أنه لايعبأ بالأشواك المتناثرة، والتربة التي بدأت الشمس تحولها إلى مَلَّة تشوى العشار.. سألت الرجل عن اسم الجمل فقال إن اسمه هو “ولد أجف”، فندَّت من قيس العازب على الجمل؛ “بل هو ابن الراحلة”.. كما أنه لايعرف الكثير عن ضيفه الكبير.. كان همه الأوحد أن يوصلنا بأسرع وقت وبأقصر الطرق إلى الحي القريب، ليبحث عن قطيع الماعز الذي يبعد عدة كيلومترات من المكان الذي عرج إليه وقد استهوته “سيارتنا” التي هبطت في هذا الصقع من الأرض.. بقدر ما كنا نتقدم كان “ولد أجف” يعطى إشارات تنبئ عن أنه بدأ ينوء بحمله، الذي كان قبل قليل يسخر من اسمه وأخيرا فقد صبره،وأناخ !

 

الشيخ صاحب الجمل قال لقيس ، وفي لهجته سخرية واضحة:

 

“أنزل إذا كنت تريد عَلَّة من عظامك”..

 

بدأت الآن أفهم لماذا سمي الجمل ولد أجف؛ فهو على ما يبدو حمار وضع في قالب جمل..في هذا الوقت بالذات الرئيس يسير أمام الجميع، وبعد دقائق،يلحق بنا الحراس الخاصون،قائد الطائرة ومساعده، والمصور..أفادنا الشباب بأن الجمل الذي رآه أحمد، يحمل برميلين من الماء سعة كل منهما خمسين لترا.. وللتفكه فإن الأستاذ قيس انتهز الفرصة للتأكيد على أن هذا الجمل هو من النوع الجيد من الجمال خلافا لصاحبه الذي ركبه لفترة وهو جمل الشيخ، المدعو “ولد أجف”.. وصلنا الحي. نحن الآن ضيوف على حي بدوي كريم يسخر كل طاقته للضيوف، هناك بعض الأواني الجديد، كأسان يصب بهما الشاي، وأقداح من شجر “يطََّّ” لصب الزريك(المذق).. لتثخين الظل وضعت أربعة أغطية بشكل دائري،على خيمة عريضة على شكل مستطيل.. الظل ينداح ببطء في اتجاه الشرق، لقد جلسنا بقدر المتاح ، الشاي يدار على الحضور، والطعام يحضر.. الحرارة تستعر.. وهناك خيمة كبيرة يتم بناؤها غير بعيد لتتسع للضيوف الكبار، ليتسع الظل..

 

أهل الحي يتناوشون الإعداد فهذا يقدم حبلا وتلك تعد دعامة، وهذا يحضر فأسا، وذان يشدان وتدا، وأؤلئك يدخلون لرفع الخيمة، وفي النهاية تصعد قنية الخيمة، متحدية وجه الشمس الكالح.. يبدو أن الموقع غير مستو فهنا شجيرة متوحشة، وتتراآى نبتة مشاكسة.. وضعت الفرش، يبدو أن وسط الخيمة يستجيب بالضبط للحرارة العالية التي ترسلها الشمس، فالجو خارج الخيمة أكثر لطفا..دخلنا الخيمة وتنفسنا الصعداء، لقد كنا سعداء، ونحن ندرك أن إرادة الله هي التي تتحكم في شؤون العباد فالله أكبر…

 

بدأت المعلومات تتجمع لدينا من خلال رجال الحي:

 

الجهة التي هبطت فيها الطائرة تدعى “هند ادرش”.. منطقة “ورك انكط” وهي منهل لقبيلة لحمنات، وبالتحديد محمد امبارك أحمد، إلى الجنوب “انتاكوم”، وإلى الغرب “انتورزم”، وإلى الشمال ” أم روكبه”، وهذه الأمكان كلها ملك لقبيلة لحمنات..

 

المدينة الأقرب إلينا هي مدينة تنبدغه، ولكن هناك أسواق أسبوعية دورية متعددة في المنطقة مثل (اكثورا)، (لكلي) (أم لحياظ) (حامالا)، ففي هذه الأسواق يتبادل السكان في المنطقة البضائع ويشترون حاجاتهم من الدقيق والأرز، ويشترى التجار البضائع والحيوانات وغيرها مما يتبضع به أهل البدو..

 

في الخيمة المنصوبة حديثا قضيت يومي مع بعض أفراد الحي من قبيلة لحمناتأذكر منهم: سيد أحمد ولد يومو، عالى ولد محمد امبارك، والناجي ولد أحمد (الأخير هو ابن آمنة التي كانت تقيم على ضيافتنا في اليوم بدل الضائع )..

 

هاتف الثريا نضب من الطاقة، لكن علمنا أن أحدهم يملك هاتف ثريا، وهو ممرض يدعى الشيخ البكاي، وهو يقدم خدماته الطبية لأهالي هذه المنطقة النائية، يعالج المرض بالعقاقير والأدوية الحديثة، وربما أيضا عالجهم بالرقى والحجاب بموازاة ذلك.. الله وحده يعلم!.. على كل حال في حدود الساعة الثالثة وأربعين دقيقة مساء أحمد الحارس الخاص اليقظ يذهب بحثا عن “الطبيب” لكن الوقت يمر ولم يعد بعد..

 

لقد كنا ننصت لصوت محرك عن بعد، وكأننا رجال من البدو يشحذون آذانهم لالتقاط صوت الشاحنة القادمة من المدينة، هنا تسمع أصوات المحركات عن بعد، وهاهو العقيد محمد ولد لحريطاني بسيارته الفارهة يصلنا، هذا الضابط المقدام، جاء ليلحق بنا من بلدة أم لحبال القريبة من مدينة لعيون،

 

الضابط محمد اصطحب معه سيارتين يقود إحداهما واحد من امهر السائقين ويدعى ابيبو، لكن محمد وصل، ولم تصل السيارات التي كانت بصحبته فقد غرقتا في بحر من الرمال على بعد خمس كيلومترات من مكان جثوم الطائرة الجريحة..

 

محمد أرسل فريقه لإخراج السيارتين من مكان إعاقتهما، في هذه الأثناء كان أحد الجالسين معي يحتسي كؤوس الشاي، ويقدم لي أسماء الفروع الإثني عشر لقبيلة لحمنات (ثقافة عامة مطلوبة).

 

هنا في هذا الركن القصي من الأرض كل الناس يحبذون الحديث عن عزيز، وكل الناس عبروا عن مساندتهم له، ولكن لاأحد يستطيع أن يساهم في عملية إنجاحه في الانتخابات، إذ لاأحد من هؤلاء يملك أوراقا مدنية تمكنه من الإدلاء بصوته والتعبير عن مساندته بالفعل.. يتعلق الأمر بالأشخاص الذين قابلناهم على الأقل..

 

لحد الساعة لم يعد أي أحد من الذين ذهبوا؛ لا أحمد الذي ذهب بحثا عن الهاتف والطبيب، ولا سيارات العقيد محمد ولد احريطاني..

الفصل الرابع

 

في خيمة آمنة

 

في ذلك العشي الذي تمددت فيه ظلال الأصيل، شأنها كل يوم، بالتحديد السادسة مساء وثماني دقائق، أحمد الحارس الخاص يعود بالهاتف وقد شحنه بالطاقة ..((الدكتور)) الشيخ في بادرة تنبئ عن مواطنة صادقة قام بتفكيك جهازه الإذاعي لاستخلاص أسلاكه وأخذ بطارياته، من أجل شحن هاتف الثريا الذي ذهب به أحمد ، وقد نجحت العملية.. وعند الساعة السابعة “الدكتور” الشيخ ولد عابدين قادم على جمله، يحمل معه معزاة سمينة، بهدف الضيافة لكن الجماعة اعتذرت عن هذا الكرم فحمل معزاته، وراح لحال سبيله..

 

السابعة وخمس دقائق لحظات قليلة قبل صلاة المغرب، العقيد محمد ولد أحريطاني يأخذ جملا ويصطحب معه مصباحا يدويا، لأن جحافل الليل بدأت ترخى سدولها، ومن الممتع أن ترى قائد “قارب” طائر، يمتطى سفينة من سفن الصحراء.. آخر رسل الشمس المشعة تودع سهل “ورك انكط”..ومع هذا الوداع انطلقنا..

 

خيمة آمنة تحتفظ بذكرى هذا اليوم الذي لا ينسى، حيث كانت تحتضن الرئيس الوشيك لموريتانيا السيد محمد ولد عبد العزيز..

 

فبعد ساعة ونصف من السير،على الأقدام، الرئيس والتومي ، وأنا، صحبة قيس الذي كان يركب على جمل.. وصلنا إلى هذا الحي، وكانت هناك خيمتان إحداهما آهلة والأخرى غير آهلة، وقد اختار الرئيس تلك الخيمة التي بنيت.. إنها تعطي الانطباع بأنها من خيم “الأسكيمو”..

 

اختيار الرئيس وقع على خيمة “آمنة”، ولم تخيب هذه المرأة ظن مضيفيها، لقد كانت حاضرة ونشطة ، فهي تحضر كل واجب الضيافةـ تلبس بعض التمائم بألوان مختلفة و ترتدى ملحفة من القماش الغيني الفاخر “النيله” (مدكدكه)،مازالت قشيبة وإن لبست لأيام، تترك على عرضها أثرا نديا، تلبس جوارب خضراء، وتضع على عينيها نظارات سوداء، تناسب ملحفتها، ورونقها.. وضعت بعناية الأغطية، عيناها الثاقبان الصغيرتان تنبئان عن نشوة وفرح كبيرين.. كانت تجلس دون نضدها (أشغاب)الذي يحمل الأمتعة، ، وهناك قِربٌ معلقة مملوءة بالماء البارد.. إنها تحضر الشراب بحيوية،الماء البارد الممذوق باللبن المطعم قليلا إنه “ازريق”، أو على الأصح “اتخين”.. لا أحد يستطيع أن يشرب حد الشبع، رغم الحرارة الشديدة ، والعرق المتدفق.. من أجل موازنة الحرارة في الجسم اقترحت تقديم الشاي ، ومع كل هبة رياح تقدم آمنة قطعة من الأغطية لدرء الريح من هذا الجانب ، أو ذاك، أو من أعلى الخيمة ،أو من جوانبها.. حتى أصبحت خيمتها أقرب إلى معرض للأغطية الملونة..

 

في حدود الساعة الحادية عشرة أقيمت خيمة خاصة ، لكن الرئيس عزيز اختار البقاء في خيمة آمنة…

 

عزيز وفي لمبادئه ومنسجم مع مواقفه، فهو بحق رئيس للمهمشين والمحرومين والفقراء..

 

لقد كان أفراد الحي الذي قدمنا إليه يتخافتون حين رأونا نتجه إلى هذه الخيمة الفقيرة:( ولكنهم؟..)، وبسرعة ابتنوا خيمة لاستقبالنا بطريقتهم، حضروا كل شيء من غذاء وشاء وشراب، ومن راحة، ولكن الرئيس منح ثقته لآمنة واختار أن يبقى في خيمتها، وآمنة بدت فخورة بهذا اليوم الذي حظيت فيه بهذا الشرف الكبير، في حي (ورق انكط)..

 

قوة هذا الرجل تكمن في ثقته المطلقة والتحامه الحميم بفئة الفقراء، والعطف عليهم، هؤلاء الناس( ولو كانوا فقراء).. فهم روافد للإنسانية والالتزام الأخلاقي، وملامح المضيفة آمنة تنضح بهذه المعاني وكذا المقيمون في حي ورق انكط..

 

طيلة هذا اليوم المميز كانت آمنة تضع بصماتها على تميز ضيافتها، وعلى كرم محتدها، وقدرتها على أن تقدم كل ما يمكن أن يقدم لضيف كبير، لكي ينعم هذا الضيف ورفقته بأكبر قدر من الراحة.. وعند صلاة المغرب أخرجت آمنة كل فراش وثير لديها أمام الخيمة لينعم مضيفوها بالهواء الذي بدأ يلطف شيئا فشيئا، كما أوقدت أمام خيمتها نارا عظيمة للإضاءة، ولتكون علما يهتدى به أصحاب السيارات الذين يسبحون في هذه المتاهة التي يصعب الاهتداء بها نهارا ،أحرى بالليل..

 

محمد وهو أحد الحراس الشخصيين ينادى مستبشرا بالنبإ السار، هاهي السيارات الثلاث قادمة..

 

الرئيس يودع الجميع بامتنان خاصة آمنة، وكافة أفراد هذا الحي الرائع، بالنسبة لهؤلاء فإنها المرة الأولى التي يجالسون فيها، بل يتحدثون ويفاكهون، بل يرون عن قرب رئيسا موريتانيا بلحمه ودمه.. أخذنا معنا دليلا وركب في مؤخرة السيارة ، لكن هذا الدليل أصيب بالدوار ، والتقيئ، وأصبح عبئا علينا بدون فائدة، سلكنا أثر سيارة رئيس الجمهورية، ولدينا مشاعر متجددة بالخوف من صعوبة الطريق..