انحتوا لنا الفضة من عرض الجبل /الولي سيدي هيبه

يمر التعاطي السياسي كما الثقافي الراكد، بكل أوجهه و حراكه المضطرب في سياق مسيرة البلد العامة، بأسوء مراحله حيث اختلطت فيه بعض رواسب الفكر القديم من بقايا عصر الايديولوجيات الحركية و الاستقطابية  مع جديد الممارسة المعتمدة على البرامج التي تنحت من معطى "الحداثة" بكل عنفوان التطور العلمي و الفكري فيها، و من العمل بضرورة تحريك الحاضر المعطل و الرفض المعلن للبقاء على القوالب الجامدة الضارة بمصائر الشعوب و قد دب في أوصالها وعي التحرر و العدالة و الشموخ بالعلم.

 

و إنه يتبين من هنا أن السياسة في هذه البلاد ـ التي لم تعرف النظام و المركزية إلا على يد المستعمر منذ عقود قليلة ـ بأجنحتها المتكسرة و أرجلها القصيرة عن القفز ما زالت تعتبر بمثابة "قنطرةَ عبور"، ليس إلى الوطن المشتهى، و لكنه العبور الذي ينتمي إلى مرامي النفوس الضيقة في خصوصياتها الافتراسية برسم الاستفادة التي تؤطرها "الآنا" المتضخمة.

و إن "الأنا" قد تكون، على ضيقها و انحساريتها، منفتحة على ضمائر الجماعة التي تتقاسم و إياها نفس الصفات و المميزات فتكون "تكتلا" أو "حركة" أو "حزبا" أو "عصابة" أو غير ذالك من أنواع التلاقي النفعي و الربحي أو المصلحي.

و لا أدل على هذا مما يلاحظ من سهولة إنشاء:

·        جمعيات المجتمع المدني و سرعة استخدامها في عمليات الشحت و الابتزاز و الفساد،

·        و الأحزاب و سرعة الاعتراف بها و تبنيها و التعامل الظرفي معها.

كما يظهر الدليل أيضا بازغا في سرعة الانتجاع بين كل هذه الأطر الهلامية و عدم الاكتراث بالانطباعات السيئة و المخلفات النفسية الضارة التي تتركها على المسلكيات العامة في سياقي "أنا و من بعدي الطوفان" و "انحتوا لنا الفضة من عرض الجبل".

فهل تظل السياسية بهذا الوجه، المنفصم  تماما عن مجريات العصر و ملامحه  التنويرية المتميزة بوضوح الرؤية و بالانفصام عن ظلاميات العهود التي سبقته، تحمل علامات ماضي اللا دولة و لا تتيح الفرص إلا للناطقين بلغة المصالح الآنية الأنانية و لو حملت تمويها صفة الجمع النفعي حركة أو حزبا أو تجمعا أو عصابة؟ أم أنها ستشهد من خضم تململ هذا الواقع المر ثورة على القوالب و استنصار قيام وطن المواطنة و العدل و البناء و الإباء تحت سقف الدين الحنيف الخالص لله.