بعد 3 سنوات من الخدمة، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ نيته بالتنحي عن منصبه نهاية الشهر الجاري، بعد تفاقم الاتهامات عليه من قبل الأطراف اليمنية بالانقلاب على القرارات الأممية بشأن الأزمة في البلاد.
وتهرب ولد الشيخ من الإجابة المباشرة عن السبب وراء تنحيه، وطلبه بإعفائه من منصبه قائلاً: "تفكيري يقف الآن مع الشعب اليمني الذي مزعه هذا الصراع والذي يتحمل واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تدميراً في العالم".
ويبقى السبب الحقيقي مجهولاً، لكن وجهات نظر ترى أن طلب ولد الشيخ بإعفائه جاء نتيجة لاتساع دائرة الاتهامات حوله، وفشله في إحراز أي تقدم يذكر في المحادثات اليمنية.
وفيما يلي، نستعرض أبرز المعلومات عن مسيرة ولد الشيخ:
المولد والنشأة
إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وهو اقتصادي ودبلوماسي موريتاني، ولد عام 1960 بمنطقة بيلا التي أصبحت اليوم جزءاً من العاصمة الموريتانية نواكشوط، وتربى في أسرة اهتمت بتعليمه وتربيته وفقاً للتقاليد الموريتانية.
تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في مدارس نواكشوط، وحصل على شهادة الثانوية العامة في العلوم الطبيعية عام 1980م، ومُنح للدراسة في الخارج، ودرس في جامعة مونبلييه بفرنسا ونال شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، وانتقل إلى جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة وحصل على شهادة الماجستير في تنمية الموارد البشرية، ثم التحق بكلية ماستريخت للدراسات العليا بهولندا فحاز شهادة متقدمة في الاقتصاد وتحليل السياسات الاجتماعية.
السيرة المهنية
عمل ولد الشيخ بعد تخرجه موظفاً بمفوضية الأمن الغذائي في موريتانيا لسنتين، قبل أن ينتقل للعمل في وظائف مختلفة بهيئات تابعة للأمم المتحدة، وعين نائباً لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا عام 2014، وشغل منصب المنسق المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا (2008-2012)، وتولى المهمة نفسها في اليمن.
واختاره الأمين العام للأمم المتحدة في ديسمبر(كانون الأول) 2014 ليكون مبعوثه الخاص لتنسيق جهود مكافحة فيروس "إيبولا" الذي اجتاح دولاً عديدة في غرب القارة الأفريقية، وفي 25 أبريل(نيسان) 2015 تم تعينه مبعوثاً أممياً لليمن خلفاً للمغربي جمال بنعمر، وتم إعفاؤه من مهامه في فبراير(شباط) 2017.
تقلد ولد الشيخ خلال 28 عاماً خدمة في الأمم المتحدة العديد من الوظائف والمسؤوليات في مجال التنمية والمساعدة، وتنقل بين مناصب ومهمات أممية في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.
وعمل لفترة طويلة في صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وتولى منصب مدير إدارة التغيير بالصندوق في نيويورك، ثم نائب المدير الإقليمي لليونيسف في شرق وجنوب شرق آسيا، كما شغل منصب ممثل اليونيسيف في جورجيا.
الملف اليمني
عرف النزاع اليمني بصلابته أمام جهود الأمم المتحدة المستمرة لإحياء عملية السلام في البلد الذي دمرته الحروب، فخلال 3 سنوات من العمل، لم يستطع المبعوث الأممي من الخروج بحل للأزمة يرضي الجميع، الأمر الذي دفع إلى تقديم استقالته.
وفشل المبعوث الأممي في تحقيق الحد الأدنى من أهدافه، حيث واجه ضغطاً كبيراً ما جعله يقع في موقف حرج، إذ لم تسفر الجولات الـ 3 من المباحثات والتي كانت المنظمة رعتها بين الفرقاء اليمنيين إلى أي نتيجة.
وقامت أوساط يمنية في 18 أبريل(نيسان) العام الماضي باتهام ولد الشيخ بالانقلاب على القرارات الأممية بشأن الأزمة في البلاد، حيث استثنى قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يلزم الميليشيات المسلحة بتسليم مؤسسات الدولة والانسحاب من المدن كمرجعية للمشاورات اليمنية المزمع عقدها في الكويت.
وصرح في بيان قائلاً "إن من المرتقب أن تركز المحادثات على إطار عملي يمهد للعودة إلى مسار سلمي ومنظم بناء على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني"، دون أي ذكر لقرار مجلس الأمن.
ويعد هذا التصريح هو الأخطر في مصير المفاوضات الذي قد أعاد تموضع الحوثيين في المدن دون إلزامهم بترك السلاح.
ولقي البيان انتقادات كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل كثير من المحللين السياسيين والمتتبعين للشأن اليمني، حيث اعتبر البعض أنه حذف كامل للقرار الأممي من مرجعيات المشاورات.
وخلال زيارته الأخيرة لليمن، تعرض موكبه إلى هجوم بالأحجار وعبوات المياه في 22 مايو(أيار) العام الماضي، من قبل محتجين في صنعاء، وعمدت ميليشيا الحوثي إلى مساعدته بإطلاق النار وتفرقة المواطنين.
أسباب فشله في حل النزاع
زعمت بعد قيادات ميليشيات الحوثي، بانحياز ولد الشيخ إلى جانب السعودية وحكومة الرئيس هادي، بينما تشهد القوى الوطنية بانحيازه إلى جانب العدوان في اليمن ووقوفه إلى جانب الميليشيات.
وأدرك بعض المسؤولين داخل الأمم المتحدة انحيازه وأنه غير جدير بهذا المنصب، ولذلك كانت هناك ضغوط دفعته لتقديم استقالته، حيث اعتبر أن المهمة استشمارية وليست أخلاقية، إذ كان يتمثل دوره بالجمع بين أطراف الصراع إلى جلسة حوار مباشر لإيجاد حل لوقف الحرب، ومنذ توليه حتى اليوم، لم يحرز أي تقدم في هذا السياق.
ووجهت له أصابع الاتهام من قبل الشرعية والانقلاب الحوثي على السواء بالانحياز وعدم المهنية، ورفض الحوثيون بشكل رسمي التعامل معه، أو استقباله، لعدم تحقيقه مطالبهم.
وكما شكلت طبيعة الأزمة اليمنية المعقدة والصعبة، سبباً آخر في فشل المبعوث الأممي، إذ أن هذه أول مهمة سياسية يتولاها، بعكس المهمات الإنسانية والاقتصادية التي كان يتولاها في أماكن أخرى في العالم.
وعقدت الطبيعة التفاوضية التي اتسم بها الحوثيون الموقف وقدرة المبعوث الدولي أن يصل بها إلى حل، وأكبر دليل على ذلك هي مشاورات الكويت التي استمرت لأشهر دون الحصول على أي نتيجة.
المبعوث الأممي الجديد
قامت الأمم المتحدة بتعيين البريطاني مارتن غريفيث مبعوثاً جديداً لليمن، خلفاً لإسماعيل ولد الشيخ أحمد، وتأمل بأن يفتح ذلك باباً من الأمل لإطلاق حقبة جديدة من العمل الأممي الفاعل في اليمن.
وتزامن هذا التعيين مع دخول الملف اليمني منعطفاً جديداً يتميّز بحدوث تقدّم كبير في جهود تحرير مناطق البلد من ميليشيا الحوثي، وإطلاق بلدان تحالف دعم الشرعية اليمنية بقيادة المملكة العربية السعودية أكبر حملة لمعالجة الوضع الإنساني لليمنيين كخطوة تكاملية مع جهود التحرير.
بالإضافة إلى حالة الضعف والتراجع التي أصبح عليها المتمرّدون الحوثيون المدعومون من إيران بعد قتلهم لحليفهم السابق علي عبدالله صالح وخسارتهم بالتالي دعم حزبه وقواته العسكرية، وتحت ضربات التحالف العربي والمقاومة اليمنية، يصبح المجال مهيّأ أكثر من ذي قبل لإطلاق عملية سلام عادلة في اليمن.
ويمتلك المبعوث الأممي الجديد سجلاً حافلاً في مجال الدبلوماسية وعقد الحوارات بين الأطراف المتنازعة، بصفته أول مدير تنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام، كما شغل منصب المدير المؤسس لمركز الحوار الإنساني في جنيف، وهو المركز الذي عمل على تطوير الحوار السياسي بين الحكومات والمتمردين في مجموعة من بلدان العالم الثالث.
وكما أن لغريفيث خبرة واسعة في مجال حل النزاعات والتفاوض وعقد الحوارات، إلى جانب عمله في فترة سابقة في واحد من أكثر الملفات العربية سخونة وتعقيداً، حيث عمل في مكاتب مبعوثي الأمم المتحدة في سوريا، كمستشار للوساطة لكوفي عنان ونائب رئيس بعثة مراقبي الأمم المتحدة في سوريا.