المرض العضال / بقلم : عبد الله شيخنا

إن من يتابع ظاهر الرقية بشقيها الشرعي والغير شرعي في موريتانيا يخرج بانطباع أن المجتمع وصل حالة مرضية يصعب معها العلاج، وإن كانت قد بسطت سدولها على كافة أطياف المجتمع بشرائحه وطبقاته..، أغنياءه وفقراءه..، مثقفون وعامة..

متخذين من مس الجن تروس ودروعا يبرر بها كل واحد فشله، فقد أصبح كل من وصل لمرحلة من الفشل يعزي فشله إلي مس من الجن، أو ضرب من السحر، أو عين أصابته، وكأن ليس للآخرين ما يشغلهم عنه، أو أنهم لم ينالوا حظهم من الفشل، وللنساء دور طلائعي في هذا الميدان، وكأن الجميع لا يعرف أنه "لا يفلح الساحر حيث أتي".
إن أي مكان انتشر فيه اليأس، وقلت القناعة، حري بأن تنتشر فيه ظاهرة الشعوذة، وحين يصل المرء إلى درجة اليأس يبحث عن كل حل، حتى ولو كان هذا الحل هو أساس المشكلة، وليست الشعوذة والدجل

فقط هي الأمراض التي يعاني منها المجتمع، وإنما يعززها ما يوجد من مظاهر الكسل والخمول والبحث عن مبررات وإن كانت واهية لكل فشل أو إخفاق..
نعم ربما وبحكم واقع معين يوجد مبرر لحالة بذاتها، لكن ما يرفضه العقل أن يكون هذا الجزء من الواقع حالة تنطبق على الجميع، وعلى هذا فإن أول ما يجب البحث له عن علاج هو ما يعانيه المجتمع من كسل واتكالية..، وهي عقليات ومظاهر.. يجب أن تعالج فهي سبب هذه السلبية الفكرية والفشل الواقعي..، الذي يترجمه ما يقوم بيه بعض الرقاة الشرعيين.. وكافة المشعوذين.. من استغلال رخيص في اغلب الأحيان إن لم نقل دائما، من الاستخفاف بعقول الضعفاء وذوي الحاجات واستغلالهم من أجل مكاسب مادية، وهي ظاهرة يجب أن تحارب وأن تجد من النقد ما هو كفيل بالحد منها، ولا تقع المسؤولية هنا علي الدولة وحدها، بل هي مسؤولية الجميع، وعلى الكل أن يقوم بواجبه في هذا الاتجاه.

ومما على الدولة أيضا طرد الأجانب المشعوذين، ولجمهم في داخل الوطن ودور المثقف والعامة التوعية والتحسيس، والنأي عن المجيء إلى مثل هذه الترهات..، وعلي الجميع أن يبحثوا عن طريق للتكسب ليس بزيادة بمعانات الآخرين ففيهم ما يكفيهم.
أما الرقاة الشرعيين، والذين يفترض بهم أن يكونوا على علم ودراية مما هم عليه، فحري بهم أن لا يستغلوا هذه الظاهرة، حتى ولو كانت شرعية، فهي أصلا خدمة إنسانية، وليست مهنة للتكسب، وأدرك هنا الحالات التي وقع فيها بعض الاستثناءات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن كان الأصل أنها خدمة إنسانية ومنحة من الله لبعض عباده الصالحين، لمساعدة الآخرين، وهو أمر ضروري لم يهمله الإسلام، بل رغب فيه في مختلف مجالات الحياة، إذ أن من إنسانية الدين أن لا يترك الناس يعيشون الأسوأ..، وهو أمر لا يخص الدولة وحدها وإنما يخص المجتمع ككل.

أما عدم محاربة هذه الظاهرة وتثقيف المجتمع حول سلبياتها، فيعطي انطباعا بأن الطبقة السياسية والمثقفة هي أول ضحاياها، ومن هنا فإن معالجتها تكون من أولى الضروريات، و إن بدت من الصعوبة بمكان، ويجب علي كل فرد أن يحاربها بما يستطيع..، وإلا لا يمكن للمرء أن ينهض من الفشل، إن لم يكن الفشل أصلا جزءا من حياته، وهو ليس كذالك.
إن نقد الذات أولي وأنفع، وحين يغير المرء نفسه تتغير الأوضاع من حوله إلي الأحسن، ويأتي ذلك قبل نقد الدولة الذي هو أمر قد يراه البعض فرضا بحق أو بدون حق، ولكن إن من يكذب علي نفسه عليه أن لا ينتظر الصدق من الآخرين فلن يفيده وإن أفاده فلن يستفيد حتما..