في مقال له تحت عنوان "اليك لمرابط ولد الطنجي قبيلتي ليست بضاعة نخاسة" كتب فضيلي ولد هيدالة : لقد طاوعت صبري دهرا وأفحمت ما في جعبتي من تعابير لم يتركها ظباع الجيوب الذين أبوا إلا أن يدخلوا معي في تحدي الكلمة. وهو التحدي المفطوم على عشقه وداخل ملعب أعرف تضاريسه جيدا والمرتوي من عباراته وكلماته.
كما أني لم أعترف يوما بمرض القبيلة الفتاك ولم أنقله من حدود التعارف الشرعي المفروض قرآنيا لأداعب به عواطف أبناء العمومة عند كل مناسبة أنتخابية كما يفعل اليوم ذباب الأمية المتسيد للمشهد السياسي بمدينتي. لكن حين ينفجر وباء التذلل داخل قبيلتي ويفتك بها جلاوزة الطمع وزقازقة سلهام أغنياء التملق ليشوهوا ذاكرة عشيرة وتاريخ رجال أسرع في النسب من بعض نسابة المال ومنتهزي الفرص أياما كان أباءنا يكرون فيه داخل ساحات الحروب لطرد الإستعمار وأسترداد كرامة باعها أسلاف البعض بجلباب نقدي. فهنا وجب التفصيل في هذا التحصيل.
لم يكتب لي الدهر يوما أن بايعت العنصرية او ترفعت عن الناس ونظائري في الخلقة. وليس ذلك من طباعي لأني أعرف جيدا من أي الأصلاب دخلت الدنيا وفي أي الحفر سألجأ بعد خروجي منها. ولم أتذلل يوما لجيف المال الجوفاء المنتشرة بين ظهرانينا. غير أنه عندما يستغل الموسومون بعقدة إبن زبيبة لحاف قبيلتي ليشبعوا رغباتهم من دفن الفقر وسط أطباق الثرى، وصياغة تاريخ جديد لهم على حسابنا بحروف الفلوس التي أرجعتهم للنفوس بعدما لازموا النسيان وأستوطنوا ذاكرته. هنا يسقط جدار الصمت الذي بنيته طويلا علهم يفهمون أن صمتنا لم يكن خوفا من عنترياتهم ولكن خجلا على دماء تسري في عروق وحدتنا القبلية.
حديثي اليوم لا يخص أذناب الشيخ ومحضري الشاي من خاصته ونجبائه. ولا يخص كلابه التي تعوي في جوار مضاربه. لكنه موجه للشيخ عله يفهم أننا قبيلة لم تفترش جيوبه يوما ليتسيد عليها وينسبها لذيل أرصدته. إنه زمن الخلجنة البشرية التي يلتقط أصحابها الصور مع بؤساء الدول ليمنوا على الله صدقاتهم لكنها في جهتنا تتحول بفضل أذلاء الأصل والفرع الى منة عشائرية يصبح فيها أعزة الناس أذلائهم. حديثي للشيخ المترف على هذا الجرف النائم الذي دفع فيه جدي دمه وسط معارك أنصحه بقراءتها و إن كان أمثاله يجيدون ربط الألف بالياء ولا أحسبه كذلك. حديث من شاب متهور دفع والده وعمه وخاله دمائهم ثمن كرامة باعها البعض لدول مجاورة ليتسيدوا على يتمنا المشهد ويعيثوا في أرضنا فسادا مع ما يصحب خاصرتهم من حشرات المادة وأدعياء الجشع المفترس ولو على حساب تاريخهم وتاريخ أسلافهم.
أيها الشيخ لقد أسقطت آخر أوراق التوت بيننا وأجبرتنا على الخوض في المحظور ونبش الطابوهات فأستعد للقادم. نقولها بصدق ليس من باب التهديد ولا الترغيب في توقيعات شيكاتك ولكن لتحترمنا كما أحترمناك أيام أنزوائك في منفى اللجوء وسط مدينة الشامي المعروف بصلاحه. فلا أموالك ولا كنيتك ولا أصلك ولا فرعك ولا ذباب سلهامك يستطيع تغيير قناعتنا بأنك عالة علينا . كارثة من كوارث الطبيعة السياسية بهذه الجهة. ولأني أخوض اليوم في شأن من شؤون قبيلتي فلا تحسبن أننا قطيع من قطعانك الهاملة في بطون موريتانيا . ولا جيشك المزغرد خلف لواء العطاء الذي تحفظه عن ظهر قلب. أيها الشيخ المحترم قبيلتي كما قبائل الصحراء جميعا فيها الطوب والحجر والدر والحطب. ولم تجرب منها إلا عكر الإناء فلا تعمم علينا تجربتك التي أزكمت أذاننا بتصرفات السيد والعبد.
سمعنا عن أجدادنا يوما قول بليغا يقول "كلوة وفرسن ما يلتموا فالشدك" وإن إستقدرت على بلع كلوة من إسم قبيلة غابرة في القدم وموغلة في صحيفة تاريخ هذا الجرف الشمالي انواذيبو. فإنك لن تستطيع بلع ما تبقى منها. فقد تركنا لك أقدارنا ومجالسنا وغرفنا وأنزحنا من طريقك لتتسيد على فقرنا وفاقتنا وسواد سعدنا مشهدنا السياسي والإقتصادي وحتى الإعلامي. وأغمضنا عيوننا عن ما ألفيناه من سوء سيرتك وجريرتك حتى إذا بلغت حد المحاصرة قدمت إسم قبيلتنا في اتون أفعالك فبتنا نتخفى من تعليقات الساكنة وتلميحاتهم دون أن تكافئها ولو بشق تكريم.
أيها الشيخ المحترم أضف لحويصلتك الضيقة أن قبيلة "العروسيين " لازمت هذا المكان منذ كان أجدادك يخطون في اللوح المحفوظ. ولم نسترق عطايا العباد يوما حتى تنزل علينا بمنطاد القوافل القادم من اتون السمارة. وإن كان لنواذيبو كبد تلامس شعورها فنحن نحمل تلك الصفات. ولن نسمح لغزاة المال وفاتحي أسوار المجالس من الرعي إفسادا فيها. شيخنا الامر بأمر المال لقد بلغ سيل تصرفاتك الزبا وأظهرت لنا أنيابك عن غير إبتسام. وتلك أمانينا منذ ولدتنا أمهاتنا أحرارا لا نستجدي الجيوب لنتعرى للعيوب.
لقد رأيت بأم عيني أبناء أسرتك وسلالتك وهم يتسيدون علينا في كل مشهد. وتلك لعمري فاجعة كبرى لأن سوادهم الأعظم من جهلة الحاضر والمستقبل ومن يستعبدون الناس بفعل أموالك وأضلاع خيراتك. لكن حين تقحم إسم قبيلتي في هذا العار الذي لن تنساه مدينتي التي عودتني على قوة الذاكرة فتلك ايضا طامة كبرى. لن نصمت عنها، ليس من باب النعرة ولكنها وصايا الجدة التي منحتنا صكوك العزة في الوراثة لنحافظ على كرامة لم تستطع طمسها دول على متانتها فالاحرى أن تمحوها جماعة علي بابا ومن هم في دائرة أعيانه.
لذا رسالتي لك أيها الشيخ. قبيلتي ليست بضاعة نخاسة في أسواق جيوبك. فألزم حدودك.
بقلم : فضيلي ولد هيدالة