انطلاقا من الآيتين الكريمتين ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107) و﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم:4).، الذين اتخذهما أستاذنا المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي، مرتكزا لخطابه التجديدي، الذي يستهدف تقديم رسالة الإسلام كما هي رحمة وعدلا وحرية وسلاما.
وأحسن المفكر الشرفاء حينما أعاد للبعد الخلقي دوره المحوري في توجيه بوصلة الدين الحنيف، دين السلام والرحمة والخلق.
ويضع الحمادي الإصبع على الجرح حينما يقول "استطاع المتآمرون على رسالة الإسلام وأعداء الله أن ينشؤوا روايات تتعارض مع قيم القرآن وسماحة الدين، فقد استطاعوا أن يمزقوا وحدة الرسالة الإلهية إلى مرجعيات متناحرة متصارعة ومتقاتلة من خلال ترسيخ مبادئ الخطاب الديني على حساب الخطاب الإلهي.
هنا لا بد من التفريق بين الخطاب الإلهي والخطاب الديني.
فالخطاب الإلهي مصدره ومرجعيته الوحيدة القرآن الكريم، هو كلمة الله وآياته، حيث أمر رسوله الكريم أن يبلغها للناس كافة في كتاب كريم، قرآن مبين يستهدف سعادة المجتمعات الإنسانية معتمدًا على عبادة الإله الواحد، فقد وضع لهم خارطة طريق تخرجهم من الظلمات إلى النور بتشريع أساساته الرحمة، العدل، الأخلاق، تهذيب النفس بالارتقاء بها وبالقيم النبيلة،المحبة بين الناس، التسامح والتعاون والسلام.
أما الخطاب الديني فقد اعتمد على روايات ليس لها سند أو دليل من المنطق تتناقض مع آيات الله، تتخذ من خطاب الكراهية والتكفير لمن لا يتبع منهجهم، ويحرضون على قتل الأبرياء ويصادرون حق الإنسان في اختيار عقيدته، ويشعلون الفتن في المجتمعات المسالمة، ويستبيحون كل ما تطال أيديهم من أموال وثروات واستحلال حقوق الناس ويدفعون الشباب لتفجير أنفسهم مقنعيهم بوعود ضالة وكاذبة بالجنة وما فيها من حور عين وقصور، مالا عين رأت ولا أذن سمعت وهم أعداء للحضارة والتطور، وأعداء لشرع الله في كل ما أمر به الله من عمل الصالحات والمعروف واستباق الخيرات ونشر السلام لبني البشر جميعا".
ويحلل المفكر الشرفاء عناصر الرسالة التي جاء بها الدين إلى عدة رزم دلالية هي: خطابُ الهُدى انطلاقا من قوله تعالي: ﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (البقرة) (5)
ووحدةُ الرّسالة انطلاقا من الآيتين: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة) (136)
وقوله تعالي ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (البقرة) (285)
والتكليفُ الإلهىَّ انطلاقا من قوله تعالي ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة) (67)
والتذكيرُ بالقرآن انطلاقا من قوله تعالي: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ (ق) (45)
وأُسلوبُ الدعوةِ انطلاقا من قوله تعالي: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل) (125)
ووِحدةُ البَشَرِ انطلاقا من الآيتين الكريمتين: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء) (1)
وقوله تعالي :﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات) (13)
من ضمن رزم حكمية استنبطها المؤلف من كتاب الله، لينطلق من خلالها إلى شرح وتبسيط وتقريب عناصر رسالة الإسلام الجامعة المانعة، التي تنشد العدل والحرية والسلام، في إجابة على تساؤلات ملحة يطرحها المسلمون وفي إجابتها تحديد لاتجاه بوصلة الدين الخاتم.