الانقلاب على الكتاب" بقلم المفكر الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي

آية قرآنية تؤكد أن المسلمينَ سينقلبون على أعقابِهم بعد وفاة الرسول وسيهجرون كتاب الله وتعاليمهاللهُ تعالى حذر المسلمينَ الَّذِين تفرّقوا أحزاباً وشيعاً واتّبعوا أولياءً مِنْ دونه بأنَّ رسولَ اللهِ بريءُ منْهمالفرق الارهابية والمدارس تُكَفِر مَن لا يلتحقُ بهم ولا يتبع عقائدهم ويستبيحونَ دِماءَ الأبرياءِالقرونِ الأولى للعصور الإسلاميةِ شهدت ظهور العديدُ منَ الطوائفِ والفِرَقِ المتناحرةجميع المذاهب نُسبتْ لأسماءِ أشخاصٍ أو لفقهاءَ برزوا فيها أو لتجمعاتٍ أو لتنظيماتٍالبعض وظف  المذاهب والطوائف فى السياسة وخدمة للمصالح الدنيوية

 الأستاذ/ علي محمد الشرفا الحمادي

 

لم يشهدِ التاريخُ الإسلاميُّ في زمنِ الرّسولِ الكريمِ صلى الله عليه وسلّم أيَّ قتالٍ بينَ المسلمين  ولكنَّ مَا حَدَثَ بعدَ وفاتهِ، قد كان أمرًاً آخر! فقدَ جاءَ في قولهِ تَعالىَ ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران 441)

 

      هذه الآيةُ فيها نَبَأٌ للمستقبل ولَها دلالاتٌ تؤكّدُ أَنَّهُ بَعدَ وفاةِ الرَّسول صلى الله عليهِ وسلّمَ سينقلبُ المسلمونَ على أعقابِهم وسيهجرون كتاب الله وتعاليمه وذلكَ ما حَدَثَ بالفعلِ وماتؤكّدهُ الأحداثُ الداميةُ والخلافاتُ السياسيةُ التـي حدثت في حينهِ وأدناه سردٌ تاريخّي مختصرُ عمّا حَدَثَ بين المسلمينَ من صِراعٍ على السلطةِ وحبٍ للدنيا, أدّى إلى الإقتتال بَيْنَ صَحَابةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم حين سَقَطَ مِنْهم في ساحاتِ القتالِ الكثيرونُ الالاف مضرجون بدمائهم تحتَ شعاراتٍ إسلاميةٍ مُختلفة ومذاهب سياسية متعددة عندَما إنقلبَ المسلمونَ على كتابِ اللهِ بعدَ وفاةِ الرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ولم يلتزِموا بشرعِ اللهِ وَما جَاءَ في كتابهِ الكريمِ مِنْ أحكامٍ تُنظّمُ العلاقةَ بينَ اللهِ وبينَ عبادهِ فيما يتعلقُ بالعقيدةِ والإيمانِ بهِ والأسس التي تحكم العلاقةَ فيمابين المسلمين أنفسهم وغيرهم من الديانات الأخرى مبنيةً على الرحمة والعدلِ والإحسانِ والتسامحِ والسلامِ لتحقيق الأمن والاستقرار واحترام حقوق الناس وعدم الظلم وعدم الاعتداء على الناس واتباع شرع الله فيما نهى وامر بالرحمة والعدل  وتقوى الله والتمسّك بكتابه الذي أمر المسلمين بالوحدة وعدم التفرّق بقوله تعالى:

(وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقواواۚ  وَاذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعداءً فَألَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوانًا) .

 فهل التزم الصحابة بأمر الله لهم بالوحدة والتمسّك بماأمر الله وما أنبأنا اللهُ عنه في كتابهِ الكريم كلا وما تؤكده الأحداثُ التّالية غير ذلك كمايلى:

أولا :الخِلافُ على السُلطةِ في سَقيفةِ بني سَاعدة، بينَ المهاجرينَ والأنصارِ،فيمَنْ يتولّى السُلطةَ بعدَ رسّولِ اللهِ صلّى الله عليهِ وسلّم وكاد ان يتحول الى اقتتال بين المهاجرين والا نصار.ثانيا : قِتالُ الـمسلمينَ بما سُميّ حروبَ الردّةِ، وقَتلُ أعدادٍ كبـيرةٍ منَ الصحابةِ، علماً بأنَّ عَقابَ المرتدّ حُكمهُ عندَ اللهِ وحدَه فَقط، كَما تُؤكّده الآْيةُ الكريمةُ:

﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة 45

ثالثا : اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب من اجل زعزعة الاستقرار فى السلطة الحاكمة فى المدينة المنورة وهز أركان الدعوة الاسلامية واثارة البلبلة والفتن بين المسلمين لصرفهم عن الاستمرار فى نشر الرسالة الاسلامية.رابعا : اغتال مسلمون الخليفة عثمان ابن عفان حينما فشلوا فى استغلال اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب قاموا بمحاولة اخرى لاشغال المسلمين بأنفسهم مرة اخرى باغتيال عثمان لعلهم ينجحون فى خلق الفتنة تؤدى الى  صراع واقتتال بين المسلمين .خامسا : ترتب على قتل عثمان أن نشبت معركة بين الخليفة علي ابن أبى طالب وزوجة الرسول عائشة المسماة معركة الجمل للمطالبة بالقبض على قتلة عثمان ومحاكمتهم من الخليفة علي ابن ابى طالب فسقط العشرات من الصحابة فى تلك المعركة مخالفين امر الله فى قرآنه بقوله (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )سادسا : نشبت معركة صفين بين الخليفة علي ابن أبى طالب وبين معاوية ابن ابى سفيان قتل فيها اعداد غفيرة من المسلمين فى صراع من اجل السلطة وأحقية الخلافة لكل منهم وانتهى القتال بعد قرار التحكيم الذى وكل به _أبوموسى الاشعري)وتمرد الخوارج على علي ابن ابى طالب وكفروه .سابعا :  نشبتْ معركةٌ كان طرفاها  عليَ بنَ أبي طالب وبعضاً من أتباعهِ  في موقعةالنَهْروان  غربى نهر دجلةالتى وقعت مع الخوارج الذين يرددون شعار عقيدتهم (لاحكم الا لله) عندما وافق علي ابن أبي طالب على قضية التحكيم بينه وبين معاوية لحقن دماء المسلمين فتمردوا على علي ابن ابى طالب لانه قبل بالتحكيم وشعارهم (لاحكم الالله الرواح الى الجنة الى الجنة )وهم يكفرون كل من لايتبع عقيدتهم فحكمه القتل .ثامنا : نشبتْ معركةٌ  كان طرفاها الحسينَ بنَ عليٍّ ويزيدَ بنَ مُعاويةَ  وقتل فيها سبعة أفراد من أهل بيت رسول الله وعلى رأسهم الحسين ابن علي حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام سقط في تلك المعركة العشرات من المسلمين بيد مسلمين .تاسعا: كذلك وقعت معركة إخماد ثورة «أهل المدينة» على حُكمْ الأمويّين غَضَباً لِمقَتل الحسيْن، وقَتْلُ سبعمائةٍ من المهاجرينَ والأنصارِ بيَدِ الجيشِ الأمويّ المسلمِ في معركة الَحرّة التي قادَ جيشَ الأمويين وبينهم «مسلم بن عقبة» الَّذِي جاءهُ صديقُهُ الصَّحابُي مَعقل بنُ سِنان الأشجعيّ،  فأسمَعه كلاماً غليظاً في «يزيد بن معاوية بعدما قَتَلَ الحُسين، فغضَب منهُ وقَتَلَهُ حيث نقض اهل المدينة بيعة يزيد. عاشرا :قامَ  الحُصينَ بنُ نُمَير قائدُ جيشِ يزيد ابن معاوية بمحاصرة الكعبة التى تحصن بها عبد الله ابن الزبير  الذى اعلن نفسه خليفة للمسلمين بْضربِ الكعبةِ بالمنجنيق، وهَدْم أجِزاءَ منها أثناءَ حِصارِهِ لمكّةَ سنة 64 هجرية  وهو ما لم يتجرأ أبو لَهبٍ و أبو جَهلٍ على فِعلِها وقتل العديد من المسلمين بيد مسلمين .

 

أحد عشر : مقتلُ عبد الله بنِ الزُّبير ابن أسماء بنتِ أبي بكرٍ  - ذات النطاقين بيدِ مُسلمينَ يقودُهم الَحجّاجُ بنُ يوسف الثقفيّ.

 

اثني عشر : مقتلُ زيدِ بنِ علي بنِ الحُسَين في خلافةِ هشامِ بنِ عبد الملَك بيدِ مُسلمين وصَلَبوُه عارياً على بابِ دمشقَ ثم أحرقُوه. ثم قامَ الأمويّونَ بقتْل بعضِهم البَعْض.

 

ثلاث عشر : مقتل الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز   خامس الخلفاء الراشدين مسموماً بيد مسلمين.

 

أربعة عشر : مقتلُ الخليفة الأمويّ الوليدِ الثاني بن يزيد  بيدِ مُسلمين.

 

خمسة عشر :مقتلُ الخليفةُ الأمويّ ابراهيم بن الوليد  بيدِ مسلمين.

 

ستة عشر :مَقتلُ آخر الخلفاء الأمويّين بيدِ قائد جيش العباسيين أبو مسلم الخراساني.

 

سبعة عشر : أبو العبّاس السفّاح كان يقتل كلَّ مَن تبقّى من نسلِ بني أمية من أولادِ الخلفاءِ. فلمْ يبقَ منهم إلاّ من كانَ رضيعاً أو هربَ إلى الأندلس ثم أعطى أوامرهُ لجنودهِ بنبش قبورِ بنـي أميّة في دمشق فنُبشَ قبـرُ معاويةَ بن أبي سفيان  فلم يجدوا فيه إلا خَيْطاً، ونُبشَ قبـرُ يَزيد بنِ مُعاوية فوجدوا فيه حُطاماً كالرّماد، ونُبشَ قبرُ  هشام بن عَبد الملك  فإذا بهِ لم يتلفْ مِنه إلا  أرنبةُ أنفهِ، فضُرب بالسياطِ ثم صُلب، ثم ذُرَّ  في الرّيح بعدَ حرقِهِ.

 

ثمانية عشرا : في معركة كان طرفاها أنصارَ أبي مسلمٍ الخراساني وجيشَ العباسيّين قُتلَ فيها الكثيرُ من المسلمين بأيدي مُسلمين.

 

تسعة عشرا :مقتلُ أبو مسلم الخراساني بعد موْت أبي العبّاس السَّفاح على يدِ أتباعِ الخليفةِ العباسي أبو جعفر المنصور.

 

عشرون :   مقتلُ الأمينِ على يدِ أخيهِ المأمونِ ابنـي هارون الرشيد .

 

توالي الأحداث الدامية

كما توالت الأحداثُ الداميةُ في زمنِ الخلافةِ العثمانيّةِ، حيثُ استمرَ مسلسلُ قتلِ المسلمينَ بأيدي مُسلمينَ ومنها:

1- السلطانُ مرادُ الأوَلّ بُن أورخان غازي  تولّى الحكم 1359م قَتلَ ابنه ساوجي.

2 - السلطانُ  بايزيد الأوّل بنُ مراد الأول تولّى الحكم 1389م قَتْلَ أخاه يعقوب خنقاً ليمنعه من القيام بإنقلابٍ عليه. كما أصدرَ فتوىً شرعية، أحلَّ فيها قتلُ السلطانِ لشقيقهِ من أجلِ وحدةِ الدولةِ ومصالِحها العليا.

3 - السلطانُ محمّد الأول بن بايزيد الأول  تولّى الحكم 1402م قَتَل إخوتَه سليمان و موسى و عيسى .

4- السلطانُ مرادُ الثاني بنُ محمّد الأول تولّى الحكم 1421م قتلَ أخاه مصطفى.

5 - السلطانُ مرادُ الثالثُ بنُ سليمٍ الثاني تَولّى الحكم م1451 وقامَ بقتلِ أشقائه الخمسةِ فورَ تنصيبهِ سلطاناً خلفاً لأبيه.

6- السلطانُ محمّد الثالثُ بنُ مرادٍ الثالث تولّى الحَكم 1595م ولمْ يكنْ أقلَ إجراماً فقتلَ اشقاءَهُ التسعةَ عَشَر، فور تسلّمهِ السّلطة، وقبلَ دفنِ أبيهِ ليصبحَ صاحبَ الرّقمِ القياسى في هذا المجَال، بغيةَ تثبيتِ حُكمهِ. ولم يكتفِ بذلك فقامَ بقتْل ولدِه الصغيرِ محمود الَّذِي كانَ يبلغُ من العمرِ 16 عاماً، كي تبقىَ السّلطةُ لولده البالغ من العمر 14 عاماً وهو السلطانُ أحمد، أما عن  الجانبِ الإعلاميّ فإن كتبَ التاريخ وأصحابَ الرواياتِ فيقولون إن هذا السلطانَ كانَ صاحبَ إيمانٍ إسلامي كبير! فكيفَ بصاحبِ الإيمان الكبير إرتكابُ هكذا جَرائمَ، ما يندى لها الجبينُ وتتعارضُ مع شرعِ اللهِ بتحريمِ قَتْلِ النفسِ دونَ ذنبٍ.

7 - أرسلَ السلطانُ سليم  طلباً إلى طومان باي بالتبعية للدولة العثمانّيةِمقابلَ ابقائهِ حاكماً لمِصْر، لكنّهُ رفضَ العرضَ ولم يستسلمْ للتهديدِ فنظّم الصفوفَ وحفر الخنادقَ وشاركَهُ الأهالي في المقاومةِ الّتي انكسرتْ، فهرب لاجئاً إلى )صديقِه الشيخ حُسين بن مرعي الّذي بدورهِ وشى بهِ، فَقُتل وهكذا اصبحتْ مصرُ ولاية عثمانيةً ثمّ قَتل السلطان سليم  بعدَها  شقيقْيه لِرفْضِهمِا أسلوبَ العنفِ الَّذِي انتَهَجه في حكمِهِ.

وفي كلّ ما سَبَقَ فإنّ:

) القَاتلينَ والمقتولينَ كانوا يريدونَ خلافةً إسلامّيةً ويتقاتلون على السلطة .) القَاتلينَ والمقتولينَ يردّدونَ اللهُ أكبرُ.

 

هذا هو تاريخُ الـمسلمينَ الَّذِي أنبأنا الَلهُ عَنه في كتابهِ الكرَيمِ ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإِن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ﴾ )آل عمران 144

ومن أصدقُ حديثاً من قولِ اللهِ في كتابهِ الكريمِ بأنَّ المسلمينَ سوفَ ينقلبونَ على أعقابِهم بعد وفاةِ الرسّولِ صلّى الله عليه وسلّم.

 

ولقد تَرَتَبَ على ماسَبقَ؛ دِماءٌ سالتْ، ونساءٌ تَرملتْ، وأطفالٌ تَيتمتْ، وأعدادٌ غفيرةٌ من أصحابِ رسولِ اللهِ قُتلوا . ونَخرَ التفّرقُ والتشرذمُ عظامَ الأمّةِ جَهاراً فأصبحَ الإنشقاقُ عن الجماعةِ مفخرةً واستكباراً، فتولدت لديهم حميّةُ الجاهلية وأخذتهم العزة بالإثم، فظهرَ إثرَ ذلك في القرونِ الأولى للعصور الإسلاميةِ العديدُ منَ الطوائفِ والمذاهبِ والفِرَقِ وكلُّها نُسبتْ لأسماءِ أشخاصٍ أو لفقهاءَ برزوا فيها أو لتجمعاتٍ أو لتنظيماتٍ إنضمّوا إليها فعُرفِوا بها ومنْها وافرزت مذاهب شتى لتوظيفها فى السياسة وخدمة للمصالح الدنيوية .

 

 

مذاهب دينية بعد وفاة الرسول

وتأكيداً لذلك فقد نشأت بعد وفاة الرسول مذاهبُ دينية كثيرة كلٌ له منهجه ومرجعيته و هي كما يلي: