أحمد ولد أهل داوود وزير لا يتكرر بقلم : حي حسن.

من سنة الحياة أن يتواصل العمل البشري، ويأتي المسيرون بعد المسيرين ضمن تراكم متواصل، وذلك من أجل ضخ دماء جديدة في القطاعات التي يتولى المسؤولون تسييرها.
يحدث ذلك دوما بصمت، ودون أن يترك ذلك تفاعلا أكبر من المعتاد عند الرأي العام.

غير أن الاستثناء أن يترك مسير منصبه، ويسقط الخبر كالصاعقة على العموم.
استقبل حجاج بيت الله الحرام نبأ إقالة الوزير أحمد ولد اهل داوود باستياء بالغ، حيث كان لهم دوما الأخ الشفيق الرؤوف بهم، كما تواترت بذلك الشهادات التي قدمها عدد من الحجاج، وهم في أطهر مكان في الأرض..الواقع أن الرجل يستحق أفضل من ذلك؛ فهو نعم الشاب المتصف بأخلاق العلماء المخلصين الوسطيين.
ولا غرابة إذا ما كان تسييره منطلقا من تربيته وتكوينه، فهو ابن المحاظر التي انبعث اشعاعها يغطي العالم جميعا.

دلف أحمد ولد اهل داوود للوزارة من بوابة التدريس وحلقات المحاضرات في المساجد؛ وكان مثال الفقيه الشاب الذي يجسد الإسلام كما هو دون رتوش ولا إفراط ولا تفريط.
لم يدخل الوزير ولد أهل داوود المناكفات التي عاشتها الساحة هنا، وكان حريصا على ترك مسافة بينه وبين الجدالات الحدية التي انشغل بها الرأي العام.
لم يفت الفقيه القادم من لب العلم الشرعي بما يخالف مشهور المذهب المالكي، ونأى بنفسه عن جدالات توبة ولد امخيطير، واكتفى بما سبق له أن أفتى به، فالموقف الشرعي لا يتجزأ ولا يتبدل وفق أهواء الساسة.
مثل الوزير موريتانيا في الخارج أحسن تمثيل، حيث تولى الحديث سنوات باسم مختلف وفود الحجيج القادمة من شتى فجاج أرض الله، وكان الطرف المضمر للرهان، الذي تتحدر كلماته دررا؛ تكتب على صفحات القلوب بماء الذهب.
وزير استطاع بحنكته وتجربته ان يوفر آلاف فرص العمل لخريجي المحاظر ، فَقِيه كانت بصماته واضحة في إذاعة القرآن الكريم وقناة المحظرة وجامعة لعيون الاسلامية .
اليوم يمضي الوزير ولد أهل داوود منصرفا إلى حال سبيله، هادئ البال، مطمئن القلب، على أنه أرضى مواطنيه، ولم يغضب ضميره، ولم تحد تصرفاته عن ما يجب أن تسير عليه خطوات رجل من أهل العلم الشرعي مثله.
حتما سيجد الوزير فرصا أخرى لتولي المسؤولية، فبصماته محفورة في قطاع الشؤون الإسلامية وفي القلوب..
وليس ذلك بمستنكر؛ فماء العود من حيث يعصر:
ومهما يك من خير أتوه فإنما.. توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه.. وتغرس إلا في منابتها النخل

وتبقى الحقيقة التي لا غبار عليها ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) صدق الله العظيم.