قراءة في الطبعة الخامسة من كتاب “رسالة الإسلام” .

صدرت خلال الأيام الماضية الطبعة الخامسة من كتاب “رسالة الإسلام- رحمة وعدل وحرية وسلام” للكاتب والمفكر العربي الكبير الأستاذ على محمد الشرفاء الحمادى.

واستهل الكتاب الذي يقع في ستين صفحة من الحجم المتوسط بمقدمة ضافية، استهلت بالآيتين الكريمتين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) و (وإنك لعلى خلق عظيم)، وبعد ذلك حديث عن السياق العام لتأليف الكتاب؛ الذي يأتي في وقت تكالب فيه المتآمرون على رسالة الإسلام الحقة؛ وأنشأوا روايات تتعارض مع قيم القرآن وسماحة الدين، ممزقين وحدة الرسالة الإلهية إلى مرجعيات متناحرة ومتصارعة، من خلال ترسيخ وإعلاء الخطاب الديني على الخطاب الإلهي؛ وهو ما يعارض جوهر رسالة الإسلام.

 ويرى الكاتب أن التفريق بين الخطابين “الإلهى والدينى”  ضروري وواجب، مبينا أن مصدر الخطاب الإلهي الوحيد هو القرآن الكريم، الذي أمر الله رسوله الكريم بتبليغه للبشرية جمعاء، وهو الضامن لسعادة البشر المرتكزة على عبادة الإله الواحد، وقد تضمن هذا القرآن خارطة طريق تخرج الناس من الظلمات للنور، بتشريع أساسه العدل والرحمة والأخلاق وتهذيب النفوس بارتقائها عن طريق القيم النبيلة وترسيخ المحبة والتسامح والتعاون والسلام.

ويحذر الكتاب من الاعتماد على الخطاب الديني المتضمن روايات ليس لها سند أو دليل وتتناقض مع آيات الله.

بعد هذه المقدمة بالغة الأهمية يأتي فصل افتتاحي تحت عنوان “القرآن والسنة” يستهله المؤلف بالقول : “لقد كلف الله رسوله عليه الصلاة والسلام برسالة إلهية يبلغها للناس وهي منهج للحياة البشرية وخارطة لطريق الانسان في الحياة الدنیا جمعت بين التشريع والعظات والعبر والأخلاقيات وأسلوب التعامل بين الناس على أساس من الرحمة والعدل والإحسان وجعل التقوى هي الرقيب على تصرفات الانسان ومدى تفاعله مع المنهج ان ابتعد عنه وضل الطريق والقواعد التي حددها الخالق للإنسان أن يتبعها كما يلي حتى لا يضل ولا يشقی : قال سبحانه وتعالى (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).

وقال سبحانه وتعالى (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين)”.

ويواصل الكاتب قائلا: (لقد من الله على رسوله بتكليفه برسالته للناس ليخرجهم من الظلمات الى النور وجعله في تكوينه وصاغ سلوكه وتعامله مع الأقربين من قومه وغيرهم من الشعوب المختلفة بأخلاقيات القران مطبقا في كل علاقاته التعليمات الإلهية للقيم النبيلة والسامية التي تضمنتها ایات القران الكريم التي تدعو للأخلاق الكريمة ولذلك وصف الله سبحانه رسوله (وإنك لعلى خلق عظيم) (القلم: 4)، فأصبح الرسول (عليه الصلاة والسلام) قرآنا يمشي بين الناس يحمل كتاب الله المبين يعلمهم مافيه من حكمة ويعرفهم مقاصد الآيات لما يصلح الناس وينفعهم فكان الحديث حديث الله وكلماته تأكيدا لقوله سبحانه (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدي الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد).

وخلص الكاتب للقول “الحديث حديث الله وقوله والعمل والسلوك هي أخلاقيات الرسول (عليه الصلاة والسلام) فلا قول يتجاوز ما قاله الله سبحانه وتلك الأخلاقيات هي سنته والسنة عمل وليست أقوال كما قال تعالى في الأحداث التاريخية ما مرت به أقواما مضت من صراع وعذاب فتلك اعمال وأفعال وليست أقوال حين جاء امر الله فعاقبهم حيث يقول سبحانه (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تيريلا) (الاحزاب: 62)، إذا فالسنة أفعال وليست أقوالا”.

ويستدل المؤلف على ذلك بقوله سبحانه وتعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة من كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (الاحزاب: 21)، مبينا أن “الاسوة هي القدوة ولم تكن القدوة بالأقوال على الإطلاق ولكن القدوة بالأعمال والأفعال والسلوك ويريد الله للمؤمنين أن يقتفوا اثر الرسول (عليه الصلاة والسلام) ويسلكوا عمله وأسلوب عبادته ومعاملته مع الناس جميعا بالرحمة والعدل والخلق الكريم والاحسان والتسامح والدفع بالتي هي احسن وعشرات الصفات النبيلة التي كان يترجمها الرسول (عليه الصلاة والسلام على ارض الواقع سلوكا وتعاملا اما القول فقد قال الله فيه سبحانه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )”

ويواصل الكاتب “تلك كانت هي سنته ، وافعاله وسلوكه ومعاملاته وعدله وإقامته للشعائر في عبادته لما يرضي الله متبعا آياته متمسكا بكتابه تطبيقا لقوله سبحانه وتعالى (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم (43) وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون (44)) (الزخرف: 43-44) ثم اردف سبحانه في قول رسوله ينطق بكلماته في حجة الوداع (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا (المائدة: 3)، وقوله تعالى (وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلمته وهو السميع العليم )”

ويعود ليوضح أنه في لحظة نزول الآية الأخيرة توقف الخطاب الالهي بعد ما اكتملت الرسالة وسيظل القران كما انزله حيا تتفاعل به القلوب والعقول والذي يضيء للمؤمنين الدروب حتى تقوم الساعة.

ويسترسل مؤلف الكتاب فى باب “التكليف الإلهى: “لقد بعث الله سبحانه وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ليحمل للناس كافة كتبا مباركا ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليهديهم طريق الخير والصلاح إذ يقول سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :” كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ”.

واعتمد الكتاب فى كتابه على الاستشهاد بالآيات القرآنية فقط، محذرا من الاعتماد على غير القرآن، مضيفًا الآيات القرآنية قد حسمت مسئولية الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتقيد فى تبليغ رسالة الله التى تضمنها القرآن الكريم فى آيات السميع العليم، ولذلك انحصرت مهمة الرسول فى التذكير بالقرآن وشرح مراد الله منها لخلقه.

واعتبر المؤلف أن سبب تراجع المسلمين في شتى علوم الحياة وتراجع إنجازاتهم في ميادين البحث والابتكار هو تنحية القرآن الكريم كمرجع للتشريع ومنبع للاستنباط ونور من الله يخرج الناس من الظلمات إلى النور.

ووزع المؤلف أركان الإسلام إلى ثلاثة محاور هى:

ـ الأول “العبادات” التى تضمن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا والتفكر والتدبر فى القرآن وفى مخلوقات الله.

ـ المحور الثانى هو “منظومة القيم والأخلاق” الذى يحتوى على بر الوالدين والعلاقة الزوجية وحقوق اليتامى وضوابط الميراث والإنفاق فى سبيل الله وسلوك المسلم.

ـ المحور الثالث من أركان الإسلام وفقا لمؤلف الكتاب “المحرمات”، وهي الفواحش والتصرفات السيئة.

الكتاب إضافة بالغة الأهمية للمكتبة الإسلامية الراشدة، وخطوة كبرى في إطار تجديد الخطاب الإسلامي، ويأتي في وقت أحوج ما تكون الأمة إليه.