البوليساريو اتجار في البشر.... بنفحة نضالية .

لم يدر في خلد الكثيرين ممن هجروا قسرا لخدمة ثورة البوليساريو الموعودة، أن المشهد ضبابي منذ الوهلة الأولى، فبسواعد أبناء وبنات أصبحوا حطبا لحركة اجرامية أصابها نزغ منذ تلمسها لخطاها الأولى على أرض لحمادة الرافضة لأي مكر للتاريخ، لا يعدو أن يكون سرابا يبدو أبعد مما هو في الحقيقة.

أشخاص كثر عانوا من ويلات الاضطهاد والحرمان والفقر والخوف في فضاء عنيف ولافظ لكل مظاهر الحياة، بسبب طموحات انتهازية لمجموعة من المغامرين ساهمت السياقات المحلية والإقليمية في جعلهم أبطالا من ورق، لم يتورعوا للحظة بالزج بعدد كبير من الصحراويين في سجن مفتوح، لم يسلم حتى الأطفال من جحيمه.

قد ينتابنا شعور بالاحباط ، حين تصلنا أخبار مفادها أن حركة سياسية (اجرامية)، شيدت مخيمات للاجئين على تراب غير حاضنة لأي شروط للحياة، قصد تحقيق أهدافها المعلنة في احترام تام لحقوق قاعدتها الصلبة التي لولاها لانتفى وجود الفكرة من أصلها، لكن واقع الامر يعاكس التمني.

وسط هذه اللجة، تلاشت أحلام يافعين، لم يرتكبوا من ذنب سوى انهم وقعوا تحت رحمة جماعة تعتنق منطقا مغامراتيا، لا تحيد عنه وليس لديها شيئا تخسره سوى مغالبة النفس الأمارة بالسوء بأمنيات يستحال تحقيقها، ولم يجدوا بدا من قرصنة تطلعات محتجزي تندوف والتحكم في مصائرهم وتنفيذ خطة التحكم الأكبر.

واصل تنظيم البوليساريو محاولاته للتمدد خارجيا في أوساط الأحزاب والحركات والحكومات ذات التوجه اليساري ، غير أنها عوض البحث عن حلول لمعضلة اللجوء الناقص لأهالي المخيمات، تفتقت عبقريتهم في التنقيب عن موارد تمويلية لضمان الترقي الاجتماعي لقيادة الحركة وأفراد أسرهم بأي ثمن.

إن هذا التسابق نحو التموقع في مساحات الفعل الدولي، حلق بقيادة البوليساريو الى المؤتمر الاشتراكي الدولي الثامن عشر، المنظم بتاريخ 20 و22 يونيو 1989 باستوكهولم، الذي تمخض عن نتائجه وتوصياته أكبر خديعة وسرقة لصحراويي تندوف، وأبانت سباع الرابوني أنها ثعالب تقتات على اهات ومعاناة محتجزيهم.

لم يشهد التاريخ الحديث عملية أكثر حقارة مما قام به مسؤولو التنظيم، عبر استدرار عطف رئيس الوزراء السويدي المغتال أولوف بالم وإقناعه بانتشار ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم بالمخيمات، وأن إمكانيات الحركة لا تستطيع الاستجابة لحاجياتهم، وتصوير المخيمات كماخور كبير وفضاء متحرر من أي ضوابط قيمية وأخلاقية تذكر.

وتبعا لذلك، تقوى نهم القيادة غير  الرشيدة للحصول على الثروات، حينما أبدى السويديون رغبة في بناء مدرسة عصرية لحضانة وتعليم هاته الفئة من الأطفال، وقررت السيدة ليزبيت بالم زيارة المخيمات للإشراف على المشروع الواعد، مما طرح إشكالية البحث عن هؤلاء الأطفال المتخلى عنهم، بسبب غياب حالات الولادة خارج إطار الزواج وطابع المجتمع الصحراوي المحافظ.

فأمام سخاء الجانب السويدي وحاجة قادة التنظيم للمال، مالت سريرتهم نحو إصدار تعليمات صارمة لموظفي ومتعاوني مؤسسات التعليم لجمع 400 تلميذ من أسرهم لتقديمهم للوفد الأجنبي كأطفال ولدوا خارج مؤسسة الزواج، ووضعيتهم تحتاج رعاية خاصة بسبب رفض المجتمع المحلي لهم.

وتتويجا لجهودها في جمع الأموال المرصودة لدعم لاجئي المخيمات والتخفيف من معاناتهم، أسست جبهة البوليساريو لنوعين من الخطاب، ينقض بعضهما الاخر سواء على مستوى الأسس أو على مستوى الأهداف والغايات المرجو تحقيقها، فمن جهة سوقت البوليساريو خطوتها بجلب سويديين داعمين لمشروعها على انها نصر ديبلوماسي مظفر لإقناع جماهير متعطشة لأي شيء قد يديم التشبث بأمل صعب التحقق، ومن جهة أخرى، خطاب ضعيف ومترهل، يستند الى عملية احتيالية على الداعمين عبر تقديم صورة مغايرة لواقع الحال بالمخيمات، وبسط معطيات مخالفة لحقيقة وضع قاطني المخيمات وأصولهم وتنظيمهم.

ولعل من نافل القول، التأكيد أن تقديم أطفال أبرياء كلقطاء في مخيمات لاجئين في حيز جغرافي غير مرحب بهم، يعد جريمة مكتملة الأركان، لا سيما أن التحايل تطاير شرره ليطال التغرير بقاطني تندوف وتصوير الامر كأنه مراسيم ترحيب بزوجة رئيس الوزراء السويدي السابق، وأطفالهم يدخلون في تفاصيل الحدث، بينما نقلت الصورة للجانب السويدي بوصف وجود أطفال متخلى عنهم ظاهرة مستشرية في المخيمات، تتوسل من خلالها الجبهة عطف السويديين لمساعدتهم على التعامل الفعال مع المشكلة، نظرا لنفور المجتمع المحلي ورفضه المطلق للظاهرة.

إن معالجة المشكلات التدبيرية لمخيمات اللاجئين تستوجب الكثير من الحكمة ووجاهة التصور والشفافية مع من يفترض أنهم القاعدة الصلبة لأي مشروع تحرري يطمح الى البروز الى الوجود، لا سيما فئة النساء والأطفال، بيد أن تكييف الحالة المعروضة انفا، يسوقنا قسرا الى الاعتقاد أن المسألة تتعلق باتجار في البشر، تواطأت عليه جبهة البوليساريو والدولة الحاضنة للمخيمات، اعتبارا لأن أي نشاط مرتبط بجهات خارجية، يستلزم وجوبا موافقة السلطات الجزائرية.

وقد يحاول المرء تفنيد شبهة الاتجار بالبشر في مخيمات تندوف، استنادا الى حادثة تقديم أطفال الصحراويين كلقطاء لأصدقاء بالم أولوف، قصد الظهور بمظهر الضحية والفوز بقطعة من كعكة المساعدات الدولية السخية، غير أننا مجبرين على تصديق صحة تلك المزاعم لما ثبت أثناء تنظيم زيارات التتبع لمشروع الحضانة المنفذ بدعم من مؤسسة أولوف بالم، بغرض حضانة الأربعمائة طفل المتخلى عنهم بالمخيمات، بحيث تواترت اخبار أن مسؤولي المؤسسة تأكدوا بأنفسهم من تضليل مسؤولي البوليساريو لهم بشأن تصنيف الأطفال متخلى عنهم، لسبب وجيه أنه في كل زيارة تتبع، كانت قيادة البوليساريو تأمر صغار المتعاونين بالتنقيب عن أطفال قاصرين من أماكن قريبة، بغض النظر إن كانوا من تم تقديمهم في الزيارة الفائتة أم لا، بالإضافة الى اختلاف سحنات وأوزان الأطفال وسلوكاتهم، إلى غير ذلك من الإشارات الدالة على أن الأمر يتعلق بخدعة كبرى للصحراويين والسويديين على حد سواء.

لماذا الحديث عن الاتجار بالبشر بمخيمات تندوف، بالرغم من شح المعلومات الموثوقة ذات الصلة؟ وهل يمكن الحديث عن وقوع انتهاكات متعلقة بالاتجار بالبشر في مخيمات الصحراويين بجنوب غربي الجزائر؟ وهل الإشارة الى ارتكاب تلك الجريمة يدخل في إطار التحامل وأن أمر الأطفال المتخلى عنهم حادث معزول لا يعكس إرادة وتصور جبهة البوليساريو؟

في البدء، تكيف جريمة الاتجار بالبشر على أنها استغلال وتسخير النساء والأطفال بوجه خاص لأعمال السخرة والعمل القسري والاستغلال الجنسي وما شابه ذلك من أنواع الانتهاكات الجسيمة، حيث وصفته منظمة الأمم المتحدة بالبلاء لبشاعة الأعمال المرتكبة ضد تلك الفئات الهشة، والأثر المدمر على حياتها ومساراتها.

واستنادا لهذا التحديد المفاهيمي، نعتقد أن تقديم مجموعة كبيرة من الأطفال بوصفهم مولودين خارج إطار الزواج ومرفوضين مجتمعيا لاستدرار الدعم الدولي، هو اتجار بالبشر بالمحصلة لأنه ينطوي على استغلال للأطفال القصر لتحصيل غايات تتعارض مع حفظ كرامة ومصالح الأطفال الفضلى، ناهيك أن القضية في كليتها لا تعدو إدعاءا كاذبا ومردودا على أصحابه.

إن عدم إعمال قواعد المحاسبة على ارتكاب الانتهاكات الجسيمة، سواء من قبل الاليات الدولية أو من طرف الدولة الحاضنة للمخيمات، فتح الباب على مصراعيه للقيام بأعمال قمعية واسعة النطاق في منطقة المخيمات، لإحساس قيادة البوليساريو بالأمان من أي رقابة أو تعرض للعقاب من قبل أي جهة وطنية كانت أو دولية.

ويتمثل هذا اللجوء الممنهج الى ارتكاب انتهاكات مرتبطة بالاتجار بالبشر، في إقدام تنظيم البوليساريو منذ ثلاثة عقود على تنظيم عمليات تهجير قسري لأطفال في عمر الزهور الى بلدان عدة بغرض تكوينهم في الظاهر، والتأثير في سياسات بلدان الاستقبال عبر توجيه الأطفال لحكي قصص وأشياء مستحيلة التصديق عما يقع بالمخيمات، والترويج لخطاب الضحية والكراهية والحقد ضد المغرب في الخفاء.

غير أن اكبر عملية للاتجار بالبشر، وقعت بمنطقة تندوف، وما زال اللجوء إليها ديدنا لقيادة البوليساريو، نظرا لما تذره على جيوب المسؤولين من أموال طائلة، هي برنامج “عطل السلام”، الذي بمقتضاه يتم تسفير مئات أطفال المخيمات الصحراوية الى اسبانيا ودول أخرى، قصد التخفيف من معاناتهم بمنطقة اللجوء، وينتج عن تلك الخطوة رهن مستقبل الالاف من الأطفال بواقع وسياقات ثقافة دخيلة عليهم، عبر تركهم لدى أسر إسبانية بنية العلاج، ليطول الأمر الى عملية تجنيس وانسلاخ كامل عن الثقافة والبيئة الصحراوية، والتنكر في غالب الأحيان الى الأصول والى العلاقة مع الاسرة البيولوجية، بسبب مسار الاستنبات الذهني العسير لثقافة غربية في نمط تفكير وعيش أطفال ولدوا صحراويين لثقافة وكينونة صحراوية.

وقد شهدت ردهات المحاكم الاسبانية وأعمدة الصحافة الاسبانية وغيرها من الفضاءات، قصصا مؤلمة لعائلات بذلت الغالي والنفيس لاسترداد فلذات اكبادها من أسر الاستقبال الاسبانية، أو عانت الويلات من الاصطدام بتغيير أبناءها لمعتقدهم أو ثقافتهم الأصيلة او تنكر الأطفال المطلق لعائلاتهم البيولوجية بحجية عدم القدرة على توفير الحاجيات الضرورية للحياة وعدم استعداد هؤلاء الأطفال للعيش في المخيمات الى ما لا نهاية.

وضعيات إنسانية تساءل كل ضمير حي، وتحاول أن تضع الاصبع على الداء، بغرض فتح النقاش في قضية الاتجار بالبشر بمخيمات تندوف وترتيب المسؤوليات ونشر الوعي بجسامة المشكلة، وأثرها على المدى البعيد على حياة ومستقبل الأطفال ورفاههم.

بقلم : محمد يسلم ولد هيدالة معتقل سابق بسجن الرشيد بوليساري