قصف الصحراويين.. بين صمت جبهة ووحشية عسكر الجزائر.

أجمعت مكونات الفضاء الصحراوي المتنافرة حد التناقض على استنكار العمليات الحربية الوحشية ضد الصحراويين المدنيين العزل، الذين ما فتئ الجيش الجزائري بتفريعاته الجوية والبحرية والبرية والاستخبارية، يقطف رؤوسهم في عمليات قنص ليلي ونهاري ممنهج، في سياق غامض ومخيف، لا تعرف له نهاية وغير مبالين بما يخلفه موسم حصادهم لأرواح صحراويي المخيمات من خسائر في الأرواح.

استهداف الجزائر لصحراويي المخيمات، ممارسة مستمرة في الزمن

إن إقدام السلطات الجزائرية على ارتكاب تلك المجزرة الوحشية في حق مدنيين، دون مراعاة لقواعد القانون الدولي، ولا للتدابير الاحترازية التي توجب الحيطة والحذر، في مثل تلك التدخلات حماية للأرواح والممتلكات، يجعل الكثيرين في حيرة من أمرهم، بخصوص امتثال الدول لالتزاماتها وفقا لما تعهدت به في مجال حقوق الإنسان.

لكن ما يبعث على الشك والريبة، أن الأجهزة الأمنية الجزائرية بمختلف تلاوينها، لا تتعجل إطلاق النار على المخالفين في جرائم كبرى كالاتجار الدولي في المخدرات والاتجار بالبشر ومكافحة الهجرة غير النظامية، حينما يكون طرف الاتهام جزائريا، بينما لا تتورع عن إطلاق الذخيرة الحية واللجوء المفرط الى القصف الجوي وحرق الأشخاص المدنيين احياء، حينما يتعلق الامر بصحراويين محتجزين بمخيمات تندوف جنوب غربي البلاد، بسبب عدم قدرتهم على الحركة وولوج سوق الشغل وحرمانه من الحقوق المكفولة بموجب الاتفاقية الدولية لوضع اللاجئين وبروتوكولها الملحق، على إثر عدم تمكينهم من الإحصاء الموجب للتمتع بتلك الحقوق.

وتبعا لذلك، لن يجد المرء عناءا للتأكد من الطابع الممنهج وراء تكرار تلك الحوادث المميتة في حق فئة خاصة من الأشخاص، بالرغم من إخضاعها بالحديد والنار على مستويين، أحدهما وطني يتم فرضه عن طريق انتشار وبطش مختلف الأجهزة الأمنية الجزائرية، وثانيهما محلي، يجد قوته وشراسته في مد عناصر أمنية صحراوية تدين بالولاء الأعمى لقيادة البوليساريو، التي لا تفي بأي غرض سوى تكريس تحكمها في مصائر الصحراويين الخاضعين لسلطتها الجبرية، وفرض هيبة العسكر الجزائري على أراضي المخيمات، لوأد أي محاولة للإفصاح عن نوايا لإصلاح الجبهة المتهالكة داخليا، واستمرار إرهاق جهود المغرب التنموية والمتعددة الأطراف، لكي لا تنشد القوى المدنية الجزائرية مسارات التغيير المغربية سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا، كنموذج يحتذى به، في ظل رفض عسكر المرادية أي نية للانفتاح على أي حوار داخلي جاد سيقوض سلطاتها ويرجعها للثكنات وحماية الحدود.

فكما أن للنظام الجزائري عقيدة عدائية لجاره المغربي لا تسقط بالتطبيع أو بالتقادم، لجيشه صواريخ دقيقة وفتاكة تتوعد وتوقع العقوبة على عجل ولا تعفو عن أي شيء صحراوي يتحرك في محيط حدودها، سواء كان بشرا أم حجرا.

وهو استهداف لعمري لا يستند إلى ضعف ولاء أو تعال على كبرياء الحليف في براري لحمادة، وإنما يجد مبرراته في دأب السلطات الجزائرية العبث بحياة محتجزيها من الصحراويين ومن المهاجرين غير النظاميين من دول الساحل والصحراء، ونية قواتها العسكرية الثابتة في إحداث خسائر فادحة في الأرواح، حيث تعتبر كل المدنيين الصحراويين بالمخيمات أهدافا عسكرية، وقرار الهجوم عليهم لا يحتاج تعليلا، وإن تعلق الأمر باستخدام سلاح لا يمكنه التمييز بين أهداف عسكرية ومدنيين.

عمليات قتل عشوائية، مخالفة لقواعد القانون الدولي دون عقاب!

يصنف ذلك النوع من الأعمال العدائية في خانة الهجومات العشوائية، الذي يستوجب التحقيق مع مرتكبيه والمسؤولين عنهم، ورؤساءهم بتهم شن هجوم متعمد ضد المدنيين، بموجب الفقرة الثانية من المادة الثامنة (ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

إن قصف الجيش الجزائري الجوي لمنقبين عن الذهب بمنطقة تيكيدي في الحدود الموريتانية الجزائرية، منذ أسبوع، يعد انتهاكا خطيرا للمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، حيث توافر النية المبيتة لاستهداف المدنيين والفشل الذريع في تجنب إحداث الضرر البالغ الذي لحق الضحايا الصحراويين ومرافقيهم من جنسيات أخرى، ويستوجب المساءلة وتحقيق العدالة في مواجهة المخالفين.

ووفقا للمعلومات والبينات المرصودة من قبل تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية المشكل من منظمة أفريكا ووتش ومنظمة مدافعون من أجل حقوق الإنسان والشبكة الدولية لحقوق الإنسان والتنمية، فإن الهجوم الوحشي كان يتعمد إيقاع أضرار مفرطة للمدنيين، بالمقارنة مع الميزة العسكرية الإجمالية الملموسة والمباشرة المتوقعة من القيام بهذه العملية العسكرية الجوية، التي لا يتعدى الهدف المتوخى منها اعتقال منقبين عن الذهب في خلاء وفضاء صحراوي مفتوح، وتقديمهم لمحاكم مدنية لإدانتهم وفق قواعد القانون المدني الساري بالبلد، وعليه فتلك المؤشرات تدل على ارتكاب جريمة حرب مكتملة الأركان.

إن فداحة الفعل الإجرامي المرتكب، لا تقارن بأي حال من الأحوال بما ستكسبه الجزائر من نقاط إيجابية للسيطرة على حدودها، ناهيك عن أثرها الاني واللاحق على حالة الحقوق والحريات بالبلد وبالمخيمات التي يحتضنها، حيث أن إطلاق نار جوي عبر الحدود بشكل عشوائي وعن سبق إصرار وترصد ضد مدنيين عزل، أمر من شأنه أن يخلق سوء فهم بين دول الجوار سيرهن تفاهماتها في علاقة بالقضايا الشاملة على المدى المتوسط والبعيد، وسيخلق جوا من الشك والريبة في نوايا كل دولة إزاء أخرى بشأن سياساتها وإجراءاتها خصوصا ما تعلق بالأمن والتسلح والتنافس في مجالات التجارة والاقتصاد وتأمين الحدود.

وهو ما يفسر إقدام السلطات العسكرية الجزائرية على تنظيم ملتقى وطني حول موضوع “الدفاع الوطني في مواجهة حرب العقول”، في إجراء استباقي لتبرير المجزرة التي ارتكبها ضد صحراويين عزل على حدوده مع موريتانيا، والانتهاكات الجسيمة التي ينوي ارتكابها مستقبلا، ودرءا لأي محاولة للتفكير في إشعال جذوة النضال بمدن وقرى الجزائر المنهكة بإجراءات العسكر القمعية المسلطة على الرقاب منذ الاستقلال.

إن القول بأن الحاجة ماسة لضرورة تضافر جهود الجزائر من أجل التصدي الفاعل للمخططات المعادية، هو أمر مردود على قادتها، لأنه لا يعدو أن يكون مسوغا صوريا لإضفاء هالة إضافية على مؤسسة الجيش وإبراز قدرتها على التحكم في مفاصل الدولة وأن أي تغيير يمس بنية الحكم في الجزائر لن يمر دون تخطيط وعلم ومشاركة ومباركة عسكر المرادية، لأن السياقات الجيوسياسية والأمنية الإقليمية لا تسمح بممارسة وتنزيل اليات الديمقراطية والمشاركة السياسية التعددية، ولن يخرج الجزائر من عنق الزجاجة سوى تدخل جنيرالات الجيش في السياسة والتحكم في رسم خرائطها، عن طريق تقديم سيناريوهات رديئة الإخراج لوجود أخطار حقيقية تتهدد الجزائر وأمنها من جارها الشمالي.

واستنادا إلى شكل القصف الجوي وتوقيته وفداحة خسائره، فإن أول خلاصة يمكن أن يستقيها المرء، هي مدى التشابه القوي بين تلك المجزرة المرتكبة في حق صحراويين مدنيين عزل وما يتعرض له فلسطينيو رفح من مجازر في مخيمات للاجئين يلتحفون السماء، ويستقبلون صواريخ لا تبقي ولا تذر بأجساد عارية وإيمان دمر عقيدة الكيان الصهيوني القتالية. ولن نجازف إن قلنا إن قتل خمسة عشرا مدنيا صحراويا بقصف جوي شديد، يعد بمثابة سلوك يضاهي مجازر الكيان الصهيوني فظاعة وإيلاما بقطاع غزة المغتصب، وامتحان لإنسانيتنا الملطخة بالعار من فرط صمتنا إزاء ما ارتكب في حق صحراويي المخيمات.

لا غرو أن المؤسسة العسكرية تعرف أكثر من أي جهة أخرى، أن أول قاعدة من قواعد القانون الدولي الإنساني، تتعلق بوجوب التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ولا يجوز توجيه الهجمات إلا ضد المقاتلين والأهداف العسكرية الأخرى، ناهيك عن حظر شن أي هجوم يتوقع منه أن يتسبب بشكل عرضي في خسائر في أرواح المدنيين أو إصابتهم أو إلحاق أضرار بهم. غير أنها لا تلقي بالا لتلك المحاذير بسبب تقلب مزاج المجتمع الدولي حيال قضايا حقوق الإنسان وموجبات الحماية لوضعيات اللجوء وسياقات انعدام الجنسية، وترجيح كفة المصالح ودفء التزويد بغاز ونفط الأنظمة الاستبدادية مقابل غض الطرف عن تجاوزاتها اتجاه مواطنيها والأجانب القاطنين على ترابها الوطني.

أصوات تنادي بفرض الحل، ورياح تغيير تهب في فضاء المخيمات

منذ أربع سنوات، أطلت علينا مجموعة من الصحراويين من فضاءات مختلفة تتحدث لغة مغايرة عن المألوف، وتنادي بجمع شمل الصحراويين على فكرة وجوب العمل على إنهاء معاناة أهل الصحراء واستشراف مستقبل أفضل من العيش في شتات اللجوء بصحراء الجزائر وقطع أوصالهم، في عملية قصدية لاجتثاثهم من جذورهم ومن محيطهم الحضاري والثقافي الحساني والبيضاني، وتفويت الفرصة عليهم في بناء الأجيال لمجابهة تحديات المستقبل، تحت ذريعة الحصول على استقلال حتى قيادة البوليساريو لا تبذل من جهد يذكر لتحقيقه، غير مراكمة الثروات والنفوذ وتدعيم سلطة قادة عسكر الجزائر على حساب تطلعات الصحراويين لمقايضة المغرب في المحافل الدولية.

الفصل الجديد في قصة نزاع الصحراء، أن تنظيما سياسيا يدعى حركة صحراويون من أجل السلام، أقرت منذ الوهلة الأولى للتأسيس أن النزاع لن يسلك طريقا للحل دون التفكير بواقعية وإرادة شجاعة لبلوغه وتذليل العقوبات أمام الناس لإعادة بناء القناعات على معطيات ملموسة تمكن من تحديد مواعيد نهائية لبدء تفكيك المخيمات والعودة لأرض الأجداد، وإعادة محو اثار النزوح المطول والمجحف في حق الصحراويين أينما تواجدوا.

وأمام سعي سكرتيرها الأول، وهو دبلوماسي محنك خبر أروقة صنع القرار بأمريكا اللاتينية وإسبانيا وعواصم أخرى، إلى تحريك المياه الراكدة ومحاولة بعث قيم الحوار السياسي والمدني الجاد داخل فضاءات تجمعات الصحراويين وفي الأوساط الأوروبية والأمريكية اللاتينية، تجندت أقلام البوليساريو المأجورة الى الهرولة الى قناة الرابوني لتبخيس عمل الحركة الصحراوية ووصفها بالعمالة للمغرب، وتسفيه أي مجهودات قام بها السيد الحاج ولد أحمد بريكلا لصالح البوليساريو لمدة تجاوزت الأربع عقود، بل وتعدى الأمر ذلك الى التشكيك في أصوله وعلاقة بفضاء الصحراء، والتنكيل بأفراد عائلته بالمخيمات وتعذيبهم بعضهم وقطع حصتهم من المساعدات الغذائية الإنسانية، التي توزعها قيادة البوليساريو بحسب ولاء الأشخاص وإخلاصهم لها.

استمرت حركة صحراويون من أجل السلام في حصد الانتصارات بوتيرة ثابتة ومتأنية، غير ابهة بوصفها حركة افتراضية لا تنشط سوى في مجموعات للتراسل الفوري، فضمنت فضاءا للحوار والتعبير الحر وتدافع الأفكار بالرغم من تعارض القناعات في بعض الأحيان وبرزت خلافات لحظية، تعد أمرا عاديا في مراحل الولادة الطبيعية للحركات السياسية التي تتملك مشروعا سياسيا واضح المعالم بسقف تطلعات قابل للتطبيق وأهداف يمكن قياسها.

خلقت حركة صحراويون من اجل السلام، عاهة مستديمة للجبهة على مستوى أسطوانة التمثيل الشرعي للصحراويين، وأجهزت على مناطق نفوذها في المجتمع السياسي الحاكم في إسبانيا وحلقت عاليا لأمريكا الجنوبية، لتلقن دروسا من المثابرة والجد والذود عن الأفكار لسياسيي تهريب المساعدات الإنسانية بالرابوني، دون تلقي أي دعم خارجي ونظمت مؤتمرات دولية كبرى بميزانيات صفرية، شكلت حدثا بارزا في كبريات الصحف العالمية وبصمت على حضور لافت في لقاءات مراكز التفكير الدولية التي تنظر في المشكلات الدولية العصية على الحل.

لم تخجل حركة صحراويون من اجل السلام من تصريح قادتها استعدادا لأي لقاء بأطراف النزاع للتباحث حول حل مشرف يخرج المنطقة من وضعية الجمود، بل واعتبرت أن الحل لا يمكن تصوره مع طرف اخر غير المملكة المغربية، وأن الحكم الذاتي يصلح لأن يكون مقدمة لتفاوض ناجح، وهي مؤشرات قوية على إبداء حسن النية من حركة بدء تتلمس طريقها لنزع تمثيلية الصحراويين من البوليساريو الجريح.

نشطاء حقوق الانسان وصمت الأخيار على ظلم الأشرار!

يرى مجتمع المدافعين عن حقوق الإنسان أن الاشتغال في المجال يتطلب إيمانا واستعدادا للتضحية بالنفس، من تعزيز وحماية حقوق الأفراد والجماعات، صفة كونية، دون تمييز على أساس الجنس أو الأصل العرقي أو الجغرافي وغيرها من التحديدات.

غير بعض الأصوات الصحراوية المحسوبة على نشطاء حقوق الإنسان، لا ترى وجاهة في التحدث عن قضايا حقوق الإنسان، سوى إن كان الحديث موجها ضد المغرب، بالرغم بساطة الفعل المرتكب.

فالشواهد في هذا الصدد أكثر من أن تحصى، غير أن قتل العشرات تحت القصف الجوي المركز وحرق مدنيين صحراويين عزل في ابار للتنقيب عن الذهب بمحيط مخيم الداخلة وعشرات الحالات للقتل خارج نطاق القانون ارتكبت في فضاء المخيمات، وعمليات اختطاف واختفاء قسري وتعذيب ومعاملة مسيئة وحاطة من الكرامة، لم يشعر نشطاء حقوق الانسان الموالين للبوليساريو بالذنب الذي ارتكبته القيادة وبأثر تلك الجرائم على تماسك الصحراويين وعلى ضرورة تحري الحقيقة مهما كانت مؤلمة، ولعل أول خطوة يمكن ان تساهم في تكفيرهم عن ذنبهم، إيقاف صرفهم كعبيد لقيادة لا تحسن التصرف وتسعى لتبرير جرائمها بأي ثمن، آنذاك يمكن الاشتغال في مجال حقوق الإنسان كسادة.

وبالمحصلة، فإن محاولة تعظيم حدث صفعة لرجل أمن بالصحراء منذ عقد من الزمن بالصحراء على انتهاك جسيم لم يؤتى مثله من قبل، والسكوت المخجل عن قتل ما لا يقل عن 25 مدني صحراويا أعزلا في محيط المخيمات بدم بارد من قبل دولة، لا ترون فيها غير حليف ومناصر في السراء والضراء بالرغم من حالات التقتيل العشوائي التي يرتكبها ضد العائلات في المخيمات، أمر عصي على الفهم، ويجب التحلل منه عاجلا، لئلا نستفيق غدا على مخيمات خاوية على عروشها ، جراء إقدام جيش مدجج بالأسلحة، لا يرى ميدانا لتجريب عتاده غير جثث الصحراويين العزل.